للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله، لا يدري ما تَبْلُغ، يهوي بها في النار أبْعَد ما بين السماء والأرض" وفي رواية: "لا يلقي لها بالا" (١).

﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨)

هذا تأديب آخر بعد الأول: الآمر بالظن خيرا أي: إذا ذكر ما لا يليق من القول في شأن الخيرة (٢) فأولى ينبغي الظن بهم خيرا، وألا يشعر نفسه سوى ذلك، ثم إن عَلِق بنفسه شيء من ذلك -وسوسةً أو خيالا -فلا ينبغي أن يتكلم به، فإن رسول الله قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدَّثت به أنفسها (٣) ما لم تقل أو تعمل" أخرجاه في الصحيحين (٤).

وقال الله تعالى: (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا) أي: ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) أي: سبحان الله أن يقال هذا الكلام على (٥) زوجة [نبيه و] (٦) رسوله وحليلة خليله.

ثم قال تعالى: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا) أي: ينهاكم الله متوعِّدًا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدًا، أي: فيما يستقبل. فلهذا قال: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي: إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه، وتعظمون رسوله ، فأما من كان متصفا بالكفر فذاك له حكم آخر.

ثم قال: (وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ) أي: يوضح لكم الأحكام الشرعية والحِكَمَ القَدَريّة، (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي: عليم بما يصلح عباده، حكيم في شَرْعه وقَدَره.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩)

وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السيئ، فقام بذهنه منه شيء، وتكلم به، فلا يكثر منه ويشيعه ويذيعه، فقد قال تعالى (٧): (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا) أي: بالحد، وفي الآخرة بالعذاب، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي: فردوا الأمور إليه تَرْشُدُوا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ميمون بن أبي محمد المَرَئيّ، حدثنا محمد بن عَبّاد المخزومي، عن ثَوْبَان، عن النبي قال: "لا تُؤذوا عِبادَ الله ولا تُعيِّروهم، ولا تطلبوا


(١) صحيح البخاري برقم (٦٤٧٨) وصحيح مسلم برقم (٢٩٨٨) من حديث أبي هريرة، .
(٢) في أ: "الحرة".
(٣) في ف: "نفسها".
(٤) صحيح البخاري برقم (٥٢٦٩) وصحيح مسلم برقم (١٢٧) من حديث أبي هريرة، .
(٥) في ف: "عن".
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) في ف، أ: "قال الله تعالى".