للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد وعى فقهاء الصحابة هذه التوجيهات، فعملوا على إشاعتها وتدريب الرعية عليها. أتى عمر بن الخطاب على قوم فقال: ما أنتم؟ فقالوا: نحن المتوكلون، فقال: بل أنتم المتكلون "أي المتكلون على أموال الناس". ألا أخبركم بالمتوكلين؟ رجل ألقى حبه في بطن الأرض ثم توكل على ربه١!

وعن عمر أيضا أنه قال:

يا معشر القراء! ارفعوا رءوسكم فقد اتضح الطريق، استبقوا الخيرات، ولا تكونوا عيالًا على المسلمين٢.

وعن نافع قال: دخل شاب قوي المسجد، وفي يده مشاقص "نصل سهم" وهو يقول: من يعينني في سبيل الله؟ قال: فدعا به عمر فأتي به فقال: من يستأجر مني هذا يعمل في أرضه؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا أمير المؤمنين! قال: بكم تأجره كل شهر؟ قال: بكذا وكذا. قال عمر: خذه فانطلق به. فعمل في أرض الرجال أشهرا، ثم قال عمر للرجل: ما فعل أجيرنا؟ قال: صالح يا أمير المؤمنين. قال: ائتني به وبما اجتمع له من الأجر! فجاء به وبصرة من دراهم. فقال عمر للشاب: خذه هذه فإن شئت الآن فاغز، وإن شئت فاجلس٣!

كذلك وعى هذه المفاهيم بعوث المسلمين الثقافية، وعلموها للشعوب التي خرجوا إليها. من ذلك ما وجه إليه معاذ بن جبل معلم الشام، واليمن حين قال:

"يا ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج. فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر بنصيبك من الدنيا فانتظمها


١ البيهقي، الجامع لشعب الإيمان، جـ٣، ص٤١٧، ٤١٨.
٢ البيهقي، نفس المصدر والجزء، ص٤١٨.
٣ البيهقي، نفس المصدر والجزء، ص٤١٩.

<<  <   >  >>