إذا كانت السلعة المتعاقد عليها مملوكة للمصرف (المؤجر أو البائع) ومقبوضة على الوجه الذي بيناه في المبحث السابق، فإن هذا الاتفاق الذي معنا، وهو (الإيجار المنتهي بالتمليك) قد يؤدي في بعض صوره إلى اجتماع عقدين في عقدن أو صفقتين في صفقة، ونظرًا إلى أن الفقهاء قد اختلفوا في صحة العقد الذي يؤدي إلى ذلك، فإننا نبين رأيهم، ثم نرجح ما نرى رجحانه:
حكم اشتراط عقد في عقد، أو اجتماع عقدين في عقد:
لقد اختلف الفقهاء في حكم اشتراط عقد في عقد اختلافًا كبيرًا، ومرجع هذا الاختلاف هو تفسير لبعض الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، أو التي يوحي ظاهرها بأنها واردة في بيان حكمه، وأورد فيما يلي بإيجاز خلاصة الرأيين:
أولًا: يرى جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والظاهرية والزيدية) عدم جواز اشتراط عقد في عقد، كما يرى المالكية (غير أشهب) والحنابلة ذلك إلا أنهم يجيزون اجتماع عقد البيع مع عقد الإجارة –أي اجتماعهما في عقد واحد.
ثانيًا: يرى أشهب من علماء المالكية، والإمامية جواز اشتراط عقد في عقد ما دام ذلك يحقق غرضًا مشروعًا وكذلك يرى ابن تيمية جواز اشتراط عقد جديد يتعلق بالمعقود عليه يحقق هذا الغرض.
كما يرى المالكية والشافعية والحنابلة، جواز اجتماع عقد البيع من عقد الإجارة لتوافق أحكام البيع مع أحكام الإجارة في الأركان والشروط غالب.
ونورد هنا بعض النصوص الفقهية في هذا:
(أ) جاء في (الشرح الكبير، للدسوقي ٤/٥) :
(ولا تفسد الإجارة مع بيع صفقة واحدة، ولا يفسد البيع أيضًا، لعدم منافاتهما، سواء كانت الإجازة في نفس المبيع كشرائه ثوبًا بدراهم معلومة – على أن يخيطه البائع- بعضها في مقابلة الثوب- وذلك بيع- وبعضها في مقابلة الخياطة- وذلك إجارة-، أو جلدًا على أن يخرزه نعالًا أو غيرها، أو في غير المبيع كشرائه ثوبًا بدراهم معلومة على أن ينسج له آخر، ويشترط في الصورة الأولى (وهي ما إذا كانت الإجارة في نفس المبيع) شروعه في العمل، كالخياطة والخرز، وضرب أجل الإجارة، ومعرفة خروجه (على أي وجه كان من كونه رديئًا أو جيدًا، بأن كان الرجل متقنًا في صنعته فيخرج جيدا، أولا فيخرج رديئًا) . عين عامله أم لا، أو إمكان إعادته (أي أو لم يعرف وجه خروجه لكن يمكن إعادته) كالنحاس على أن يصنعه قدحًا، فإن انتفى الأمران (أي معرفة وجه خروجه وإمكان إعادته إن لم يعجبه) كالزيتون على أن يعصره فلا يجوز، وأما إن كانت الإجارة في غير نفس المبيع فتجوز من غير شرط.