واعلم أن هذه الطريقة التي ذكرناها معتمدين فيها على الحديث المذكور ليست هي القول بالمصالح المرسلة على ما ذهب إليه مالك , بل هي أبلغ من ذلك , وهو التعويل على النصوص والإجماع في العبادات وعلى اعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام.
ورأيه هذا لا يظهر أن أحدًا من الفقهاء شايعه فيه , بل لم يسلم من النقد والرد. وأفضل من ناقشه من المتأخرين هو شيخنا العلامة المبرور الأستاذ محمد العربي الماجري الأستاذ بجامع الزيتونة إذ يقول باختصار (١) :
إن الطوفي تعرض في شرحه للأربعين النووية عند قوله صلى الله عليه وسلم ((لا ضرر ولا ضرار)) للمصلحة المرسلة , ورأيه يرجع إلى:
أ) أن كل مصلحة راجحة يعمل بمقتضاها ولو عارضها نص أو إجماع , وذلك في غير العبادات.
ب) استدلاله على تقديمها على الإجماع.
ج) استدلاله على تقديمها على نص الكتاب والسنة.
إن المصلحة المرادة للطوفي هي المصلحة التي اعتبرها الشرع. والمصلحة المرسلة إذا ترجحت بمرجح من المرجحات في نظر المجتهد , فهذا النوع من المصلحة كلما ظفر به الطوفي يقدمه على الكتاب والسنة والإجماع. هذه الدعوة التي تعلق بها الطوفي ما سبقه إليها أحد لمخالفتها للقواعد , إذ من الأصول المقررة أنه كلما وجد نص من الكتاب أو السنة أو وجد إجماع تعين بذلك العمل , إذ لا اجتهاد مع وجود النص. وبهذا ظهر أن أصل الدعوى ساقط عن الاعتبار , ويقول الطوفي في استدلاله على تقديمها على الإجماع: إن منكري الإجماع قالوا برعاية المصلحة , فهي إذن متفق عليها والإجماع مختلف فيه , والتمسك بالمتفق عليه أولى من التمسك بالمختلف فيه.
(١) دراسة نشرت بمجلة جوهر الإسلام التونسية عدد١- ٢ السنة الأولى في ربيع الآخر سنة ١٣٨٨، جويلية ١٩٦٨.