الأصل في الفقه الإسلامي أن يكون المضارب شخصًا حقيقيا، وعلى ذلك جرت تفاصيل المضاربة في كتب الفقه المعروفة، وقد حدثت في عصرنا شخصيات معنوية أو اعتبارية في صورة مؤسسات كبيرة، وقد اعترف الفقهاء المعاصرون بالشخصية المعنوية، وطبقوا عليها أحكام الشخص الحقيقي.
فهل يجوز أن تكون شخصية معنوية هي المضاربة؟
والجواب في الظاهر أنه لا مانع من ذلك.
وإن الشخصية المعنوية ـ مثل شركة مساهمة ـ تكون مملوكة في العادة لحملة الأسهم الممثلين في الجمعية العمومية، أما إدارة نشاطاتها، فيتولاها مجلس الإدارة بواسطة المدير أو العضو المنتدب، فإذا سلمت الأموال على أساس المضاربة إلى مؤسسة مالية، فمن هو المضارب بالضبط في هذه الصورة؟ فقد يقول قائل:(إن المضارب هو المدير، أو مجلس الإدارة، لأنه هو الذي يستثمر الأموال فعلًا، ويعمل أعمال المضاربة) ولكن ذلك ليس بصحيح، لأن المدير إنما يعمل بالنيابة عن الشخصية المعنوية، ولا يكون هو العاقد بصفته الذاتية. . . وإنما العقد يكون بين أرباب الأموال وبين الشخصية المعنوية، فالشخصية المعنوية هي المضاربة، وهذا كأن المضارب استأجر موظفًا أو أجيرًا يباشر أعمال المضاربة تحت إشرافه، فالمضارب هو المستأجر وليس الأجير، وهذا ما انتهت إليه الندوة الفقهية العاشرة لمجموعة البركة في رمضان سنة ١٤١٥ هـ، وقرارها في هذا الخصوص ما يلي:
أ - إن المضارب في المؤسسات المالية ذات الشخصية الاعتبارية التي تتسلم الأموال لاستثمارها على أساس المضاربة في الشخص المعنوي نفسه (البنك أو الشركة) ؛ لأنه هو الذي تناط به الذمة المالية المستقلة التي بها يحصل الموجوب له أو عليه، وليس (الجمعية العمومية) التي تملك المؤسسة، ولا (مجلس الإدارة) الذي هو وكيل في المالكين، ولا (المدير) الذي هو ممثل للشخص المعنوي.
لا تتأثر العلاقة بين أرباب المال والمضارب في المؤسسة المالية ذات الشخصية الاعتبارية بالتغير الكبير في مالكي المؤسسة (الجمعية العمومية) أو التبديل الكلي أو الجزئي في أعضاء مجلس الإدارة، أو تغيير المدير وأعوانه، لأن ذلك الحق مقرر في النظام الأساسي للمؤسسة، وإذا حصل بعد التغيير إخلال بالتعدي أو التقصير، فإن، في أحكام المضاربة ما يحمي أرباب الأموال بتحميل المسؤولية لمن وقع منه التعدي أو التقصير.