الزكاة إذا أردنا أن نحرص على مقدارها الذي يستحقه الضعيف والفقير والأصناف الثمانية لا يكون الحرص مباشرة في أن يكون المقدار مدققا فيه، وإنما يكون الحرص بالتشجيع على من يعطي الزكاة. إذا كنا نحرص على المقدار ولا نحرص على الإبقاء على قدرة المزارع نكون قد أخطانا خطأ كبيرا. المزارعون اليوم الذين يحرصون على أن يقوموا بحقهم نحو خالقهم ونحو الفقير المسكين المستحق لهذه الأموال المزارعون اليوم في حيرة، يشتكون ويطلبون الفتوى. بعد بحث وبعد اتصال بكثير من المزارعين من الثقات ومن الناس الذين يخافون ربهم والذين يمسكون بدفاتر المحاسبة ويعرف ماذا أنفق وماذا أنتج، تتراوح النفقات بين (٤٠- ٦٠ %) من المنتوج، وهذا بالطبع يختلف باختلاف وفرة الإنتاج في العام السابق، ويختلف باختلاف قلة الإنتاج في سنوات الجائحة، وفي بعض السنوات ما أنفقه لا يستطيع أن يسترجع عشر معشاره، ولذلك تكون الخسارة كاملة.
فالفلاح اليوم يقول لك: كيف الحل؟ أنا بين أمرين، ما بين أن يجد لي الشرع حلا وأستمر في عملي الذي هو عمل آبائي وأجدادي والذي هو أصل الزراعة التي هي أصل الحضارة وأصل الاقتصاد، معروف عند علماء الاقتصاد أن الانتقال إلى التجارة والصناعة لا يكون إلا بعد طور الزراعة، وبعد أن نجتاز طور الزراعة بعد تأمين الزراعة وبعد تأمين الغذاء للأمة، ولذلك نحن اليوم في عالم الذرة، ولكن الذرة لا تستطيع أن تفعل ما يفعله الأمن الغذائي، والأمم القوية اليوم التي تدير العالم في أصبعها كالخاتم مدركة لهذا، إلى جانب كونها تملك الذرة وتملك الأسلحة والأموال والعتاد هي تملك الأمن الزراعي، هي تعطي من القمح والحبوب للشعوب وتمسك عليهم الحبوب لتلزمهم بما تحب وتريد، هنا إذن أهمية الزراعة لا شك فيها ولا خلاف فيها، وأعتقد أنه من الواجب الشرعي أن نعين المزارعين وأن نشجعهم ليبقوا، لأن الزراعة فيها أتعاب، والأتعاب الموجودة في الزراعة لا توجد لا في التجارة ولا في الصناعة، فإبقاء المزارعين في حقلهم وميدانهم هو متأكد، هو واجب شرعي ديني وواجب وطني، حينئذ أرى في بعض الأحيان في المذهب المالكي الحرص على نصيب الفقراء ما يبعث على الدهشة.