للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن خلدون: " إن الله تعالى خلق الحجرين المعدنيين من الذهب والفضة قيمة لكل متمول (قيمة ومقياسًا للأموال الأخرى كلها) ، وهمًا الذخيرة والقنية (الثروة الحقة التي تقتني لحين الحاجة إليها) لأهل العالم في الغالب، وإن اقتنى سواهما في بعض الأحيان، فإنما هو لقصد تحصيلهما لما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق (تغير أحوال الأسواق بسبب غلاء أو رخص الأموال الأخرى، أو الأنواع الأخرى من النقود الاصطلاحية) التي هما عنها (بمعزل) . وأضاف ابن خلدون إلى ذلك أن وظيفة سك النقود إنما هي تمييز للنقود وحفظ لقيمتها من الغش، فإذا تمّ فإن النقود التي تسكها الدول تصبح محل ثقة الناس، فيتخذونها – كما يقول – إمامًا وعيارًا، يقدرون به ما معهم من نقود، وكان يقصد بالنقود الأخيرة غير الذهبية والفضية، أو التي غلب عليها الغش وما زالت في أيدي الناس (١) .

علينا إذن أن نحسم الأمور، ما هي حقيقة النقد الورقي حتى يكون خاضعًا أو غير خاضع لمبدأ التعويض حينما تتعرض قيمته الحقيقية للتدهور؟

الواقع أن النقد الورقي مثل الفلوس اكتسب خاصية الثمنية بالعرف والاصطلاح، والذي نشأ أصلًا مع قرار الإصدار من قبل السلطان، أو الحكومة، ولم يكن أبدًا معتمدًا على قيمته السلعية والقبول العام للناس له في معاملاتهم، كما كان الوضع بالنسبة للذهب والفضة، حتى قبل سكهما نقدًا (٢) . لقد كانت القيمة الذاتية للفلس الواحد لا تتجاوز قيمة القطعة المعدنية الزهيدة المصنوع فيها، مما يقل كثيرًا عن قيمة النقدية الاسمية. ومع أن العملات الورقية في بدايتها كانت مغطاة بالذهب، إلا أنها انفصلت عنه تدريجيًا، وأصبحت قيمتها لا تقوم إلا على أساس الإلزام القانوني، حيث قيمتها الذاتية لا تتعدى قيمة قصاصات ورقية ملونة.


(١) انظر ابن خلدن، المقدمة، طبعة الشعب، القاهرة، ص ٢٠١، ٢٠٢، ٢٩٢. ويمكن أيضًا في بحث، عبد الرحمن يسري أحمد، تطور الفكر الاقتصادي، سبق ذكره، ص ١٢٣.
(٢) وكان العرب في مكة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاملون بالنقدين من غير سكه. انظر البلاذري، كتاب النقود، وهو منشور ضمن كتاب انستاس الكرملي، النقود العربية وعلم النميات،ص ١٠، طبعة حديثة، بيروت، لبنان.

<<  <  ج: ص:  >  >>