أما قرينة الكلب البوليسي فما من شك أنها من الاكتشافات المعاصرة التي لا نجد لها في كتب السابقين أثراً ولا خبراً. وإذا أردنا أن نعرف موضعها من القبول أو الرد في الفقه الإسلامي فلابد من نظرة للإطار العام لنظام الإثبات في الفقه الإسلامي، فإننا قد رأينا أن الفقه الإسلامي كان أكثر تشدداً واحتياطاً من النظام القانوني في مجال إثبات الجنايات وذلك بتضييقه لمجال أعمال القرائن في طائفتين من الجرائم وهما جرائم الحدود والقصاص وأجازه في الطائفة الثالثة وهي جرائم التعازير، فإذا سلمنا بالأخذ بقرينة الكلب البوليسي فإن مجال أعمالها لا يدخل إلا في الطائفة الثالثة.
ولكنا نقول: إن القانونيين وهم الذين توسعوا في اعتبار القرائن لم يجعلوا لقرينة تعرف الكلب البوليسي معولاً كبيراً، إذ منعوا القضاة من الاعتماد عليها وحدها كدليل في الدعوى ولا يؤخذ بها إلا إذا عضدتها قرائن أخرى يعني أن المدار على غيرها من القرائن وما هي إلا زيادة في الاطمئنان، فإذا كانوا قد احتاطوا فيها فمن باب أولى ألا يأخذ بها الفقه الإسلامي الذي كان أكثر احتياطاً في مجال إثبات الجنايات.
ومن ناحية أخرى فقد ذكرنا أن الفقه الإسلامي قد تشدد حتى في قبول شهادة النساء في الحدود والدماء فمن باب أولى ألا يتقبل شهادة الحيوان، فإن قيل: إن شهادة النساء مبنية على المعاينة ولخطورة هذه الجرائم وما يترتب عليها من إزهاق روح لم تقبل شهادة النساء، أما قرينة استعراف الكلب مبنية على أساس علمي صحيح، نقول: إن رجال تحقيق الجنايات يقولون إن الكلاب البوليسية أنواع متنوعة، كما تحقق نجاحا كبيرا إذا كان تدريبها أكثر إتقانا، فمن هنا يدخل الشك في يقينية النتائج المستفادة منها: فقد يكون التدريب ناقصا أو الكلب من غير النوع الذكي من الكلاب ولهذا احتاط رجال القانون. ومن ثم نحتاط للفقه الإسلامي فلا ننسب له الأخذ بقرينة تختل فيها النتيجة العلمية أو تكون غير مؤكدة أو يقينية.
كما أنه لا يؤمن نسيان الكلب للرائحة التي أعطيت له ليتعرف بها على الجاني كما لا تؤمن وحشيته وافتراسه مما يؤدي إلى الإكره وبطلان الدليل.