أما موضوع الاعتماد على أجهزة التسجيل في إثبات التهمة فإذا كان القانونيون يحترزون في هذه الوسيلة لما تنطوي عليه من تقييد للحرية الشخصية وهتك للحياة الخاصة ومن ثم يكون الدليل المأخوذ منها غير مشروع، وأيضا لاتساع باب الشك فيها إذ أنها سهلة التزوير، فمن باب أولى أن يتوقف الفقه الإسلامي (في نظري) في هذه الوسيلة، وذلك لما انجلى لنا من موقف الفقهاء الذي يحترز من الدليل الذي تتسع فيه دائرة الشك، فطلبوا من القاضي ألا يبني حكمه إلا على يقين بعيد عن الشبهات، وطلبوا منه أن يسعى للتوصل إلى إقرار الجاني، ولا يحكم بالقرائن إلا بعد ظهورها ظهورا جليا.
أما اعتداء هذا الدليل على الحرية الشخصية فلعله يكون أيضا سببا في منع الاعتداد به في الفقه الإسلامي، إذ أن الشريعة تمنع التجسس على الناس في حياتها الخاصة فيقول الله تعالى:{وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[الحجرات: ١٢] ، كما توجب الستر وعدم مضايقة الناس وتهديد حريتهم الشخصية، كما أن الدليل المأخوذ بطريق غير مشروع أي بأحد هذه الطرق يجب عدم الالتفات إليه.
ويدل على ذلك ما روي عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، فقد ذكر البيهقي أن عبد الرحمن بن عوف حرس مع عمر ليلة بالمدينة، فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتى إذا دنوا منه إذ باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر رضي الله عنه وأخذ بيد عبد الرحمن فقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت: لا. قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه (لا تجسسوا) فقد تجسسنا فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم (١) .
(١) السنن الكبرى: (٨/٣٣٣) ؛ ورواه الحاكم في المستدرك (٤/٣٧٧) ؛ وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: (صحيح) .