للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسًا: الاقتصاد الإسلامي والمضاربة في العملة

قبل الدخول في استعراض موقف الاقتصاد الإسلامي من المضاربة في العملات نجد من المهم الإشارة إلى بعض الأمور التي نراها بمثابة مفتاح الموقف. وهي:

١- إن موقف الاقتصاد الوضعي حيال النقود مضطرب إلى حد بعيد: فبينما نراه يذهب إلى التمييز القاطع بين النقود وبين السلع والخدمات جاعلاً هذه في جهة وتلك في الجهة المقابلة من حيث الخصائص والمميزات، وإلى التحديد الحاسم لعلاقة النقود بالثروة، وهل هي من وجهة نظر المجتمع ثروة أم حق على الثروة. ذاهبًا إلى أنها حق على الثروة وليست داخلة فيها – الحديث عن النقود الورقية والائتمانية وليس عن النقود السلعية وخاصة منها المعدنية من الذهب والفضة – بينما نراه يقف هذا الموقف الجيد والدقيق إذا به يعامل النقود في كل أموره معاملة السلع والخدمات، مدخلاً لها في نطاق الثروات والأصول الاقتصادية. فهي تباع أية سلعة وخدمة، وهي تؤجر كما تؤجر السلع والخدمات، وهي يتاجر فيها كما يتاجر في بقية السلع والخدمات. بل لقد أصبحت التجارة في النقود وأشباهها من أروج التجارات في عصرنا، هذا تحت سمع وبصر ومباركة الاقتصاد الوضعي.

وبدلاً من أن يتكسب الناس من ممارسة النشاط الاقتصادي الإنتاجي في الزراعات والصناعات والتجارة في منتجاتهما؛ أصبحوا يجنون الأرباح الوفيرة، ومن ثم أصبحوا من كبار الأثرياء على المستويات المحلية والمستويات العالمية نتيجة تجارتهم في النقود والأوراق المالية، أو بعبارة أخرى نتيجة انغماسهم فيما أصبح يعرف بالاقتصاد الرمزي.

وبسبب من ذلك – إضافة إلى غيره – كان ما كان وما هو كائن وما هو متوقع أن يكون من أزمات طاحنة تفتك بالاقتصاد الحقيقي، وتكاد تقضي على كل منجزاته. وامتدادًا من هذا الموقف البادي الاختلال وجدنا الاقتصاد الوضعي يكاد يكل كل أمر من النقود إلى الأفراد والمؤسسات الخاصة، وجهاز الأسواق. فطالما عوملت النقود كسلعة تطلب لذاتها شأن أية سلعة فلم لا يخضع شأنها للأفراد؟ ولم لا تدخل الأسواق وتخضع في تحديد قيمتها بل وفي تحديد سعرها إلى قوى العرض والطلب؟

<<  <  ج: ص:  >  >>