للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تذكية غير المقدور عليه:

وهو نوعان:

ا- ما كان أصله وحشيا: كالظباء والوعول والبقر الوحشي والحمار الوحشي والطيور الوحشية، وحكم هذا النوع إن لم يقدر عليه بإمساكه وتذكيته كما تذكى الحيوانات الإنسية أن يصنع به مادل عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: ((إذا أرسلت كلبك المعلَّم فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه، وإن أدركت وقد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله عليه، فإن غاب يوما ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكله)) . (١)

وحاصل ذلك أن الله تعالى بفضله لم يكلف عباده في مثل هذا النوع من الحيوان أن يذكوه ذكاة الأهلي المقدور عليه، لما في ذلك من المشقة والعسر، مع أنه تعالى خلق للإنسان ما في الأرض جميعا، وأباح له الانتفاع به في حدود المصلحة التي حددتها الشريعة، فلذلك جعل له سبيلا إلى الانتفاع بهذا النوع بالوسائل المشروعة التي جاء بها القرآن في قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} [المائدة: ٤] ، وقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [المائدة: ٢] ؛ وجاءت بها السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام في هذا الحديث وأمثاله، وقد جعل الله تعالى في ذلك تذكية شرعية مبيحة لأكل لحمه إن لم تدرك حياته فيذكى كما يذكى الأهلي.

وقد تعورف على تسمية هذه التذكية صيدا، وعني الفقهاء ببحث أحكامها في دواوين الفقه بما يشفي الغليل ويكشف الغمة ويحدد المنهج السليم، وليس ذلك مما يتعلق ببحثنا هذا لأنه خارج عن موضوعه، وإنما ذكرناه لبيان ما يقابل المقدور عليه، وللتمهيد لما يأتي عما قريب- إن شاء الله- من بيان بعض ما يتعلق بموضوع بحثنا.


(١) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة؛ ورواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>