للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه ما أفتى به بعض المفتين كما قدمناه آنفاً أن القروش في زماننا بيان لمقدار الثمن لا لبيان نوعه ولا جنسه، فإذا باع شخص سلعة بمائة قرش مثلاً ودفع له المشتري بعد الرخص ما صارت قيمته تسعين قرشاً من الريال أو الذهب مثلاً لم يحصل البائع ذلك المقدار الذي قدره ورضي به ثمناً لسلعته، لكن قد يقال: لما كان راضياً وقت العقد بأخذ غير القروش بالقيمة من أي نوع كان، صار كأن العقد وقع على الأنواع كلها، فإذا رخصت كان عليه أن يأخذ بذلك العيار الذي كان راضياً به، وإنما اخترنا الصلح لتفاوت رخصها وقصد الإضرار كما قلنا، وفي الحديث: " لا ضرر ولا ضرار"، ولو تساوى رخصها لما قلنا إلا بلزوم العيار الذي كان وقت العقد كأن صار مثلاً ما كان قيمته مائة قرش من الريال يساوي تسعين، وكذا سائر الأنواع، أما إذا صار ما كان قيمته مائة من نوع يساوي تسعين ومن نوع آخر خمسة وتسعين ومن آخر ثمانية وتسعين فإن ألزمنا البائع بأخذ ما يساوي التسعين بمائة فقد اختص الضرر به. وإن ألزمنا المشتري بدفعه بتسعين اختص الضرر به، فينبغي وقوع الصلح إلى الأوسط، والله تعالى أعلم) .

من أقوال الحنفية السابقة نرى ما يأتي:

١- إجماع أئمتهم على أن ما ثبت في الذمة من النقود الذهبية أو الفضية يؤدي بمثله دون نظر إلى تغير القيمة.

٢- الخلاف حول الفلوس والدراهم غالبة الغش لا المغلوبة، والخلاف فيما يجب أداؤه في ثلاث حالات هي: الكساد والانقطاع وتغير القيمة:

أ- فيرى الإمام وجوب المثل في جميع الحالات.

ب- ويرى أبو يوسف وجوب القيمة يوم ثبوت الحق في جميع الحالات أيضاً بعد أن كان موافقاً لرأي الإمام في حالة تغير القيمة.

ج- ويرى محمد رأي الإمام عند تغير القيمة، وفي الحالتين الأخريين يرى وجوب القيمة لكن يوم الكساد أو الانقطاع.

٣- اختلف الحنفية في الإفتاء.

أ- فمنهم من ذكر رأي الإمام على أنه إجماع المذهب.

ب- ومنهم من أفتى برأي أحد الصاحبين.

ج- ومنهم من فرق بين الكساد والانقطاع.

د- ومنهم من أخذ برأي الإمام في بعض الحقوق، وبرأي غيره في بعضها الآخر.

٤- ما حدث في زمان ابن عابدين –المتوفى سنة ١٢٥٢ هـ- يبين أن اختلاف الإفتاء كان نتيجة لتفاوت الرخص عند ورود الأمر السلطاني بتغيير سعر بعض من النقود الرائجة بالنقص، ولذا قيل بالصلح لمنع الضرر عن كل من المتبايعين، ويرى ألا مبرر للخلاف لو تساوى الرخص، ولذلك قال: (وإنما اخترنا الصلح لتفاوت رخصها وقصد الإضرار كما قلنا، وفي الحديث: ((لا ضرر ولا ضرار)) ، ولو تساوى رخصها لما قلنا إلا بلزوم العيار الذي كان وقت العقد ... إلخ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>