هناك مشكلة لم أتعرض لها في البحث، فيما إذا كان عقد المناقصة توريداً أو استصناعاً. فهل يجوز فيه تقسيط الثمن كما يجوز تقسيط المثمن؟ ذكر أن المانع هو صدق بيع الدين بالدين، الكالئ بالكالئ؛ لأن المثمن مؤجل إلى أجل فهو دين، فإذا كان الثمن مقسطاً فهو مؤجل أيضاً إلى آجال مختلفة فيشمله النهي عن بيع الدين بالدين ولكن يمكن المناقشة في سند هذا الحديث –أنا لم أتعرض في البحث لهذا- وفي دلالته. أما من ناحية السند فقد ذكر جماعة عدم صحة الحديث سنداً، منهم الإمام أحمد. وقد ورد هذا الحديث في كتب الإمامية ولكن في سنده طلحة بن زيد وهو لم يوثق. هنا قد يقال: إن المشهور قد تلقى هذا الحديث بالقبول فيكون معتبراً. طبعاً الجواب بعد تسليم عمل المشهور، لو فرضنا أن المشهور عمل بهذا بعد تسليم عمل المشهور بهذا الخبر تأتي المناقشة الكبروية القائلة بأن الخبر الضعيف لا يكون حجة وإن عمل به المشهور، كما ذهب إلى ذلك الإمام السيد الخوئي –رحمه الله- حيث أثبت في الأصول ذلك. وطبعاً هذا –أن الخبر الضعيف لا يكون حجة وإن عمل به المشهور- يختلف عما تقدم بالأمس في حديث ((كل قرض جر نفعاً فهو ربا)) هناك الأمة تلقته بالقبول وليس أنه عمل به المشهور. فرق بين أن يكون الخبر الضعيف تلقته الأمة بالقبول فيكون إجماعاً عليه، وبين أن يكون عمل به المشهور. فالإمام الخوئي لا يرى أن العمل الضعيف إذا عمل به المشهور يكون حجة. وأما إذا تلقته الأمة بالقبول فهو حجة بالإجماع. أما من ناحية الدلالة فقد اختلف الأصحاب في دلالته أيضاً، فقسم ذهب إلى صدقه فيما إذا صار الدينان حين العقد، حين العقد تكون الدينان. وبعضهم ذهب إلى لزوم أن يكون هناك دينان قبل العقد ثم يعقد العقد بين الدينين، قضية للباء، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن "بيع الدين بالدين". على هذا التفسير الثاني فلا يكون النهي شاملاً لما صار ديناً في العقد بل المراد منه ما كان ديناً قبل العقد. مثلاً، كبيع مالي في ذمة زيد لشخص آخر بمال آخر للشخص الآخر في ذمة عمرو مما كان ديناً قبل العقد. كما يحتمل أن يكون معنى الحديث –هذا الاحتمال الثالث- في صورة اتحاد الجنس فيلزم الربا. إذن ما دام الحديث يحتمل اختصاصه بصورة معينة فلا يكون شموله لما إذا حدث الدينان في نفس العقد. إذا بطل هذا الحديث يعني لا يمكن الاستدلال به من ناحية السند ومن ناحية الدلالة أو هما معاً، فالمعاملة التي نحن بصددها –التوريد أو الاستصناع - تشملها عمومات الحل كـ (أوفوا بالعقود) من دون مانع، (وأحل الله البيع) ، و (تجارة عن تراض) ، فإنها من أصدق البيوع –بيوع التوريد- والتجارة في هذا الزمان. وأحسب أن هذا خير دليل يستدل به على صحة المناقصة إذا كانت توريدًا أو استصناعًا، أما المناقصة إذا كانت إجارة في الأشغال العامة والمقاولة فهي مبتنية على أن يكون العمل تدريجيًّا أو تدريجًا، والثمن كللك فلا إشكال فيها. إذن لا مانع من أن تكون المناقصة عقد استصناع أو سلم يؤجل فيه الثمن إلى آجال مختلفة أو من الأشغال العامة.