على أن في انفراد الرجلين بالمرأة، وعكسه، خلافاً لبعض الفقهاء ويتعين تفسيره وفقاً لما تدل عليه الوقائع الكثيرة من السنة وعمل السلف، بأنه نوع من الاحتياط الواجب إذا لم تؤمن الفتنة، وأما المتفق عليه فهو ما جاء به الحديث الصحيح:((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) .
ولا شك أن الخلوة –على ما صرح به الإمام أحمد وغيره- لا تتحقق إلا في بيت أو نحوه مما يؤمن معه دخول ثالث إلا بإذنهما.
أما ما كان من الأماكن متاحاً دخوله لعامة الناس أو لصنف كالأطباء والممرضين مثلاً فلا تتحقق فيه الخلوة.
استطباب غير المسلم:
التطبيب مهمة خطيرة، فإذا لم تجر في جو من الأمان والاطمئنان كانت ذريعة لإلحاق الأذى بالخصوم، كما أن لذلك أثره نفسياً في شعور المريض نفسه. (١)
من هذا المنطلق، ومما كان يقع من بعض غير المسلمين من مكايد أو غش، ذهب بعض الفقهاء إلى كراهة استطباب غير المسلم، إلا لضرورة. ويدل على مستندهم في الرأي ما أشاروا إليه بقولهم: لعدم الثقة وافتقاد النصيحة، فإذا لم تبق هذه العلة زال الحكم المنوط بها. ولذا يعارض ابن تيمية في القول بالكراهية قائلاً:
(إذا كان اليهودي أو النصراني خبيراً بالطب ثقة عند الإنسان جاز له أن يستطبه، كما يجوز أن يودعه المال وأن يعامله.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة - وكان كافراً - وإذا أمكن أن يستطب مسلماً فهو كما لو أمكنه أن يودعه أو يعامله فلا ينبغي أن يعدل عنه. وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكتابي واستطبابه فله ذلك، ولم يكن من ولاية اليهود والنصارى المنهي عنها) .
كما نبهوا على التثبت مما يصفه من الأدوية المركبة لئلا يكون فيها محرم، كما صرحوا بأنه لو أشار عليه الطبيب غير المسلم بالفطر في الصوم، والصلاة جالساً لا يرجع إلى قوله وحده؛ لأنه خبر متعلق بالدين فلا يقبل منه.
(١) يشير صاحب (معالم القربة في الحسبة) في معرض الحض على تعليم الطب بقوله: (هو من فرض الكفاية ولا قائم به من المسلمين، وكم من بلد ليس فيه طبيب إلا من أهل الذمة، ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الطب) (ص ١٦٦)