للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقف الإسلام من مسألة الحكم والسيادة:

وفيه فروع مترابطة:

الفرع الأول ـ الإسلام والحكم:

وبسط الحديث إلى حد ما في هذا الموضوع يستدعي مراجعة بعض الأقوال الشاذة التي نفت أن يكون الإسلام قد جاء ليعطي نظامًا للحكم , ثم التعقيب عليها بالنظرة المخالفة وبيان الحق والواقع.

ولعل "علي عبد الرازق" مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم" هو الذي أثار هذه الضجة، وإن كنا نستطيع أن نجد الشواذ ممن أيده كخالد محمد خالد , وبعض الكتاب الآخرين وبعض المستشرقين أيضًا. وتتلخص نظريته في أن الإسلام لم يخطط نظامًا ـ ولو بنحو المبادئ العامة للنظام ـ في مجالات الحكم وأنه ليس إلا دعوة دينية خالصة لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة لدولة، وإذا كان الرسول زعيمًا فليست زعامته زعامة حكم وسلطان بل هي زعامة دينية لا ربط لها بالزعامة السياسية.

وقد استند في نفيه هذا لتخطيط الإسلام للحكم إلى الأمور التالية:

أولًا ـ القرآن: كما في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} (١) .

{إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} (٢) .

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (٣) .

و {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (٤) .

وخلاصة الاستدلال أن من لم يكن مسيطرًا ولا وكيلًا وإنما هو مجرد مبلغ ومبشر ونذير ليس حاكمًا أيضًا (٥) .

ثانيًا ـ السنة الشريفة: ويستند فيها إلى أحاديث ووقائع من مثل ما يلي:

(أ) جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأصابته رعدة شديدة , فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((هون عليك فإني لست بملك ولا جبارًا , وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة)) .

(ب) قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بشؤون دنياكم)) .

ثالثًا ـ الدليل العقلي: ويتلخص في ادعاءات ثلاثة:

(أ) أن من المعقول أن ينظم العالم في وحدة دينية ولكن ليس من المعقول أن ينظم العالم في حكومة واحدة فذلك يوشك أن يكون خارجًا عن طبيعة البشرية.

(ب) أن مسألة الحكم غرض دنيوي خلى الله بينها وبين عقولنا.

وأخيرًا فإن دولة الرسول خلت من كثير من أركان الدولة.

وهو يقول: "ولماذا لم يتحدث إلى رعيته في نظام الملك وفي قواعد الشورى، ولماذا ترك العلماء في حيرة واضطراب من أمر النظام الحكومي في زمنه؟ " (٦) .

هذا وقد نقل الأستاذ عبد الحميد متولي بعض الاستنادات الأخرى لبعض العلماء والمحدثين تدعيمًا لوجهة النظر هذه وهيك

أولًا: أن المؤسس الحقيقي للدولة الإسلامية هو أبو بكر.

ثانيًا: أن الدين حقائق ثابتة لا تتغير والدولة نظام متغير.

ثالثًا: فشل الحكومات الدينية واستبدادها وعدم القبول للتطوير، و "القوة تحتل من طبيعة الحكومة الدينية مساحة واسعة.. وهي تستمد تبرير قسوتها وبطشها من نفس الغموض الذي تستمد منه سلطتها" كما يقول خالد محمد خالد في كتابه: " (من هنا نبدأ) .


(١) سورة الإسراء: الآية ٥٤
(٢) سورة الشورى: الآية ٤٨
(٣) سورة الإسراء: الآية ١٠٥
(٤) سورة الغاشية: الآيتان ٢١، ٢٢
(٥) الإسلام وأصول الحكم: ص ٧١ ـ ٧٥
(٦) الإسلام وأصول الحكم: ص ٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>