ويبدو أن العدو ـ في حملته الثقافية ـ استهدف الجوانب الثلاثة بشكل عرضي وفي آن واحد، إدراكًا منه لهذا الترابط، وتحقيقًا لمهمته الرئيسة، وهي قتل الشخصية الإسلامية في وجود الفرد والأمة، وبالتالي تحقيق الأرضية السهلة لعملية الاستغلال الكبرى.
فعلى الصعيد التصوري: عمل الإعلام الغريب "واسمحوا لي أن أسميه بالإعلام الاستكباري العالمي نظرا لطبيعته ودوافعه الحقيقية الكامنة في طغيان الحيوانية والمادية في وجوده" عمل هذا الإعلام على التغريب الثقافي عن العقيدة والتصورات الأصيلة مستغلًا فترات الجهل، والاتجاهات القشرية الخالية من روح الإسلام، والمركزة على جوانب جزئية عابرة، مكبرة إياها، وجاعلة هذه الجوانب هي محور الصراع وتضارب الآراء عاملة ـ بالتالي ـ على نسيان التصورات الإسلامية التغييرية الكبرى، وترك الميدان الاجتماعي لكل المبادئ المدعية للعدالة والإصلاح، وهي في الواقع ضد ذلك.
ومن هنا رأينا اتجاه الكثير الكثير من جيلنا الشاب نحو المبادئ المادية التي احتلت زورًا موقع البطولة الثورية، والمطالبة بالقضاء على الظلم بعد أن أخلته هذه الآراء القشرية وأبعدت المسلمين عنه ـ لسبب أو لآخر ـ متغافلة أن الإسلام هو دين الصراع ضد التفرعن والفراعنة والطغاة، وهو دين الجهاد المتواصل ضد أي نمط من أنماط الظلم والاستبداد والاستغلال.
ثم إن العدو- وتأكيدا لعملية التغريب الآنفة - راح يزرع الشبهات تلو الشبهات في النفوس تجاه الإسلام عقيدة ونظامًا، وتجاه إمكان تطبيق الإسلام، وهو دين المجتمع القبلي ـ كما يدعون ـ فكيف يمكن تطبيقه في مجتمع القرن العشرين؟!
ولم تكن الشبهات عادية وإنما هي تشمل الحقول الفلسفية والمنطقية تمامًا كما تشمل الجوانب العملية، وهذه الشبهات عندما تصب في روح الشباب الفارغ فإنها تعصف برؤيته ومفاهيمه، وإذا تم ذلك ضمن الاستكبار انحرف الإحساس فالعمل بلا ريب. وإذا تمهد السبيل للنفوذ الغريب جاء دور الفكر الإلحادي المسموم لتحقيق المرحلة النهائية من العملية، ليصوغ الإنسان المسلم مبشرًا للماركسية بقيمها الواطئة أو الرأسمالية بجشعها ولؤمها، وعلى أي حال، يغدو عدوًّا للأمة وعميلًا للأجانب الأعداء.
وأما على الصعيد العاطفي: فإن خطته الخبيثة يمكن أن تتلخص بعمليتين: الأولى عملية إضعاف الروح الأخوية الإسلامية، روح إحساس المسلم أينما كان بألم المسلم الآخر، وإحلال الروح المحلية، والقطرية، والقومية، وحتى الوطنية الضيقة وغيرها. أما العملية الثانية فهي عملية توجيه العواطف والدوافع نحو المادية السلوكية، الأمر الذي يترك أثره على الجانبين العقائدي والعمل بكل قوة، فتحول المادية العاطفية إلى مادية عقائدية.