وقد ورد الحديث عن هذا البيع مفصلًا ومقتضبًا مرة في آخر باب الصرف كما في درر الحكام شرح غرر الأحكام لحسن الشرنبلالي وفي الدر المختار في شرح تنوير الأبصار للحصكفي، ومرة في باب خيار الشرط من أول كتاب البيوع كما في البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم، وخصه صاحب القنية الإمام الزاهدي بباب قبل باب البيع الفاسد، وأورد مسائله البزازي في الباب الرابع في البيع الفاسد من كتابه الجامع الوجيز، وكذلك صنع ابن عابدين في رد المحتار، وعقد له صاحب الفصول العمادية الفصل التاسع عشر، وأفرده جامع الفصولين بفصل أيضًا هو الفصل الثامن عشر، كما عقد له الزاهدي فصلًا في البيوع من فتاواه.
وقد عاد المؤلف إلى جميع هذه المصادر والمراجع، ووقف على كثير غيرها من أمهات الكتب ناقلًا ومقارنًا، مناقشًا ومحررًا، معترضًا ومجيبًا، محققًا ومرجحًا، مبينًا ومفتيًا، فجاءت رسالته الوفائية رسالة علمية دقيقة على غرار ما كتبه العلماء المتقدمون من مباحث فقهية تعتمد في لغتها ومنهجها الجدل، وتكتسي طبيعة التقرير في عرضها حتى لكأنها أمالي دروس أو صورة مجالس، جمعت أكثر ما قيل في الموضوع على نحو فريد بديع، أعجب به معاصروه ونوه به زملاؤه وطلابه، فاتخذوه في عمله هذا أسوة لهم، واعتمدوا أقواله وأفهامه كما يشهد لذلك قول أحدهم في رسالة له في الوفاء أيضًا، تضمنت تسع مسائل:"صرح بذلك شيخ مشائخنا العلامة الفريد في نقله وفهمه شيخ الإسلام سيدي محمد بيرم الثاني قدس الله قبره وضاعف يوم الجزاء أجره في رسالته الوفائية"(١) .
(١) انظر المسألة الأولى من مسائل بيع الوفاء الجاري بها العمل في تونس للفقيه محمد البارودي.