للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(د) حكم التوثيق بالكتابة:

١٥ – لقد اختلف الفقهاء في حكم توثيق الدين بالكتابة على قولين:

(أحدهما) لابن جرير الطبري والظاهرية وبعض السلف، وهو أن كتابة الدين واجبة لقوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ} إذ الأصل في الأمر إفادة الوجوب. ومما يؤيد دلالة هذا الأمر على الوجوب اهتمام الآية ببيان من له حق الإملاء، وصفة الكاتب، وحثه على الاستجابة إذا طلب منه ذلك، والحث على كتابة القليل والكثير، ثم التعبير عن عدم وجوب الكتابة في المبادلات الناجزة بنفي الجناح {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} حيث إنه يشعر بلوم من ترك الكتابة عند تعامله بالدين (١)

(والثاني) لجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، وهو أن كتابة الدين ليست بواجبة، إذ الأمر في الآية على سبيل الإرشاد لمن يخشى ضياع دينه بالنسيان أو الإنكار، حيث لا يكون المدين موضع ثقة كاملة من دائنة. يدل على ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}

وهو يفيد أن الكتابة غير مطلوبة إذا توافرت الأمانة والثقة بين المتعاملين.

قال الإمام الشافعي: " فلما أَمَرَ إذا لم يجدوا كاتبًا بالرهن، ثم أباح ترك الرهن، وقال، {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ} .

فدل على أن الأمر الأول دلالة على الخط، لا فرض فيه، يَعْصِي من تركه " (٢) .

ويؤيد هذا أن صاحب الدين يستطيع أن يتنزل عنه ويسقطه عن المدين، فله بالأولى أن يترك توثيقه بالكتابة. وقد دَرَجَ الناس من عهد الصحابة رضوان الله عليهم إلى يومنا هذا على عدم كتابة الديون ما دامت الثقة قائمة بين المتداينين، ولم ينقل عن فقهائهم نكير عليهم مع اشتهار ذلك (٣) .


(١) المحلى، لابن حزم: ٨/٨٠؛ والولاية على المال والتعامل بالدين للأستاذ علي حسب الله: ص١٠٣؛ وتفسير الطبري: ٣/٧٧، ٧٩؛ وتفسير القرطبي: ٣/٣٨٣. .
(٢) أحكام القرآن الشافعي ٢/١٢٧.
(٣) أحكام القرآن، للجصاص: ١/٤٨٢؛ والمحصول، للرازي:/ ج ١ ق ٢/٥٨؛ والأم، للشافعي: ٣/٨٩ وما بعدها، الولاية على المال والتعامل بالدين: ص ١٠٣؛ والمغني، لابن قدامة: ٤/٣٦٢؛ وتفسير الطبري: ٣/٧٧؛ وتفسير النيسابوري: ٣/٩٧؛ والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: ٣/٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>