للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وَتَطْلُعُ أُخْرَى فِي مُقَابَلَتِهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ فِي الشَّرْقِ، فَيَنْقَضِي جَمِيعُهَا فِي انْقِضَاءِ السَّنَةِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ بِسُقُوطِ الْمَنْزِلَةِ وَطُلُوعِ رَقِيبِهَا يَكُونُ مَطَرًا وَيَنْسِبُونَهُ إِلَيْهَا، فَيَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَإِنَّمَا سُمِّيَ نَوْءًا ; لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ السَّاقِطُ مِنْهَا بِالْمَغْرِبِ نَاءَ الطَّلْعُ بِالْمَشْرِقِ، مِنْ نَاءَ يَنُوءُ نَوْءًا ; أَيْ نَهَضَ وَطَلَعَ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالنَّوْءِ الْغُرُوبَ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَإِنَّمَا غَلَّظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ الْأَنْوَاءِ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَنْسِبُ الْمَطَرَ إِلَيْهَا، فَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْمَطَرَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا ; أَيْ فِي وَقْتِ كَذَا وَهُوَ هَذَا النَّوْءُ الْفُلَانِيُّ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَطَرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، أَقُولُ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ ; هُوَ الْمَنْعُ الْمُطْلَقُ سَدًّا لِلْبَابِ وَقَطْعَهُ لِلنَّظَرِ عَنِ الْأَسْبَابِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ بِتَقْدِيرِ رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: ٣٤] ; أَيْ وَفِي وَقْتٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ (وَحَيْفُ السُّلْطَانِ) ; أَيْ جَوْرُهُ وَظُلْمُهُ (وَتَكْذِيبٌ بِالْقَدَرِ) ; أَيْ بِأَنَّ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ وَحُلْوَهُ وَمُرَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّهُ خَافَ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ ; لِأَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُسْتَقِلَّةٌ، وَتَرَكَ النَّظَرَ إِلَى الْمُسَبِّبِ، وَقَعَ فِي شَرَكِ الشِّرْكِ، وَمَنْ كَذَّبَ الْقَدَرَ، وَقَالَ: الْأَمْرُ أُنُفٌ ; وَقَعَ فِي حَرْفِ التَّعْلِيلِ، وَمَنِ افْتُتِنَ بِالسُّلْطَانِ الْجَائِرِ يَأْتِيهِ الضَّلَالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>