رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ حَدِيثُ مَاعِزٍ، فَأَحْضَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَنْطَقَهُ لِيُنْكِرَ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ لِدَرْءِ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَقَرَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَهُ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ بَعْدَمَا كَانَ مَائِلًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَهُ مِنْ قِبَلِ الشِّمَالِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لِيَرْجِعَ عَمَّا أَقَرَّ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: (أَبِهِ جُنُونٌ؟) إِلَخْ وَنَظِيرُ سُلُوكِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَخْذِ الْقِصَّةِ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا مُلَخَّصًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا - فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: ١٥ - ١٦] : (لَحْيُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ عَظْمُ ذَقْنِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ (فَضَرَبَهُ) : أَيِ الرَّجُلُ (بِهِ) ، أَيْ بِاللَّحْيِ (وَضَرَبَهُ النَّاسُ) : أَيْ آخَرُونَ بِأَشْيَاءَ أُخَرَ (حَتَّى مَاتَ. فَذَكَرُوا) : أَيْ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا فَالْفَاءُ فِي فَأَخَذْنَاهُ كَالْفَاءِ فِي فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ، فَالْفَاءُ تَسْتَدْعِي حَالَاتٍ وَتَارَّاتٍ وَشُئُونًا لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ إِلَى أَوَّلِ الْقِصَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: كَمَا أَرْسَلْنَا فَعَصَى، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْمَشْهُورُ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: طَهِّرْنِي. قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، فَيَكُونُ قَدْ جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّ قَوْمَهُ أَرْسَلُوهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَرْسَلَهُ: (لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ) . وَكَانَ مَاعِزٌ عِنْدَهُ هَزَّالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَهُ الَّذِينَ حَضَرُوا مَعَهُ مَا جَرَى لَهُ: (أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟) إِلَخْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute