للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(مَا نَقَصَ ذَلِكَ) أَيِ: الْإِعْطَاءُ أَوْ قَضَاءُ حَوَائِجِهِمْ (مِنْ مُلْكِي) أَيْ: شَيْئًا أَوْ نَقْصًا (إِلَّا كَمَا) أَيْ: إِلَّا مِثْلَ نَقْصٍ فَرْضِيٍّ (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالْبَحْرِ فَغَمَسَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ أَدْخَلَ (فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا) : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: ٢١] وَهُوَ نَظِيرُ مَا فِي حَدِيثِ الْخَضِرِ لَمَّا رَكِبَ هُوَ وَمُوسَى السَّفِينَةَ، فَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى طَرَفِهَا ثُمَّ نَقَرَ مِنَ الْبَحْرِ نَقْرَةً فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ، وَاتَّفَقَ الشُّرَّاحُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْفَرْضِ وَالتَّنْزِيلِ، أَيْ: لَوْ فُرِضَ النَّقْصُ، لَكَانَ مِقْدَارُهُ مِقْدَارَ الْمُمَثَّلِ بِهِ، فَإِنْ وُجِدَ هُنَا نَقْصٌ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ مُتَنَاهٍ، لَكِنَّهُ نَقْصٌ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَسَّ لِقِلَّتِهِ الْبَالِغَةِ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْقِلَّةِ، وَأَقُولُ، وَبِحَوْلِهِ أَجُولُ: إِنَّ النَّقْصَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ إِلَّا صُورَةً وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ انْتِقَالُ شَيْءٍ قَلِيلٍ مِنَ الْجِنْسِ الْكَثِيرِ إِلَى طَرَفٍ آخَرَ، فَلَا نَقْصَ فِي الْحَقِيقَةِ، بَلْ زِيَادَةَ إِفَادَةِ حَيَاةِ ذَلِكَ الْعُصْفُورِ بِتِلْكَ الْقَطْرَةِ، وَحُصُولُ وُصُولِ بَعْضِ الْعُلُومِ مِنَ الشَّرْعِيِّ وَاللَّدُنِّيِّ إِلَى مُوسَى وَالْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَتَمَّ الْكَلَامُ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا نَوْعًا مِنَ الْبَدِيعِ، وَيُسَمَّى بَابَ تَأْكِيدِ الْحُكْمِ بِمَا يُشْبِهُ الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا} [البروج: ٨] وَفِي قَوْلِهِ: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مريم: ٦٢] وَفِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

وَجَعَلُوهُ مِنْ بَابِ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (ذَلِكَ) أَيْ: عَدَمُ نَقْصِ الْمُلْكِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: قَضَاءُ الْحَوَائِجِ (بِأَنِّي جَوَادٌ) أَيْ: كَثِيرُ الْجُودِ (مَاجِدٌ) أَيْ: وَاسِعُ الْعَطَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَاجِدُ أَبْلَغُ مِنَ الْجَوَادِ لِأَنَّ الْمَجْدَ سِعَةُ الْكَرَمِ فَهُوَ تَرَقٍّ (أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ) أَيْ: لَا مَا يُرِيدُ الْخَلْقُ، وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: (يُرِيدُ وَأُرِيدُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا أُرِيدُ) ، وَقِيلَ لِأَبِي يَزِيدَ: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ، قَالَ نَدِيمٌ الْبَارِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: هَذَا أَيْضًا إِرَادَةٌ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ. ( «عَطَائِي كَلَامٌ، وَعَذَابِي كَلَامٌ» ) : يَعْنِي لَا يَنْقُصُ مِنْ خَزَائِنِي شَيْءٌ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ الْأَمْرُ ( «إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُ» ) أَيْ: إِيجَادَهُ (أَنْ أَقُولَ لَهُ) : إِمَّا تَحْقِيقٌ أَوْ تَمْثِيلٌ (كُنْ فَيَكُونُ) : بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ عَنْ أَمْرِي، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ. قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي مَا أُرِيدُ إِيصَالَهُ إِلَى عَبْدٍ مِنْ عَطَاءٍ أَوْ عَذَابٍ لَا أَفْتَقِرُ إِلَى كَدٍّ وَمُزَاوَلَةِ عَمَلٍ، بَلْ يَكْفِي لِحُصُولِهِ وَوُصُولِهِ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ بِهِ. الْكَشَّافُ: كُنْ مِنْ (كَانَ) التَّامَّةِ أَيِ: احْدُثْ فَيَحْدُثُ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا قَضَاهُ مِنَ الْأُمُورِ وَأَرَادَ كَوْنَهُ، فَإِنَّمَا يَكُونُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ وَلَا تَوَقُّفٍ، كَالْمَأْمُورِ الْمُطِيعِ الَّذِي يُؤْمَرُ فَيَمْتَثِلُ وَلَا يَكُونُ مِنْهُ الْإِبَاءُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>