فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَجِيءِ جَوَابِ الْمَلَائِكَةِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا إِلَخْ، وَبَيْنَ عَدَمِ ذِكْرِ الْجَوَابِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ؟ قُلْتُ: (كَيْفَ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِمُجَرَّدِ السُّؤَالِ عَنِ الْحَالِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لِلتَّعْجِيبِ وَالتَّعَجُّبِ مَثَلًا (قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ) : عَطْفٌ عَلَى " وَيَسْأَلُونَكَ " وَالْجُمْلَةُ مِنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ فِيمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضَةٌ أَيْ: يَسْتَعِيذُونَكَ (قَالَ: وَمِمَّا يَسْتَجِيرُونِي؟) : بِالْوَجْهَيْنِ (قَالُوا: مِنْ نَارِكَ قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: يَسْتَغْفِرُونَكَ) : أَيْ: أَيْضًا. وَفِي نُسْخَةٍ: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ بِالْعَطْفِ (قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا) : لَعَلَّ الْعُدُولَ عَنِ الْوَاوِ إِلَى الْفَاءِ لِتَرْتِيبِ الْإِعْطَاءِ عَلَى الْمَغْفِرَةِ (وَأَجَرْتُهُمْ) : مِنْ أَجَارَهُ يُجِيرُهُ إِذَا أَمَّنَهُ مِنَ الْخَوْفِ (مِمَّا اسْتَجَارُوا) : أَيْ: طَلَبُوا الْأَمَانَ (قَالَ: يَقُولُونَ: " رَبِّ!) : أَيْ: يَا رَبِّ (فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ) : أَيْ: كَثِيرُ الذُّنُوبِ أَوْ مُلَازِمٌ لِلذَّنْبِ، بَدَلٌ مِنْ فُلَانٍ (إِنَّمَا مَرَّ) : أَيْ: لِحَاجَةٍ (فَجَلَسَ مَعَهُمْ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ إِلَّا الْمُرُورَ وَالْجُلُوسَ عَقِيبَهُ أَيْ مَا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ أَيْ: مَا ذَكَرَ اللَّهَ قَصْدًا أَوْ إِخْلَاصًا وَإِلَّا فَسَمَاعُ الذِّكْرِ ذِكْرٌ (قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ) : أَيْ: أَيْضًا أَوْ بِطُفَيْلِهِمْ يَعْنِي غَفَرْتُ لِهَذَا الْعَبْدِ أَيْضًا بِبَرَكَةِ الذَّاكِرِينَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: غَفَرْتُ لَهُمْ وَلَهُ، ثُمَّ أَتْبَعَ غَفَرْتُ تَأْكِيدًا أَوْ تَقْرِيرًا (وَهُمُ الْقَوْمُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: تَعْرِيفُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ أَيْ: هُمُ الْقَوْمُ الْكَامِلُونَ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ السَّعَادَةِ (لَا يَشْقَى) : أَيْ: لَا يَتْعَبُ أَوْ لَا يَصِيرُ شَقِيًّا (بِهِمْ) : أَيْ: بِسَبَبِهِمْ وَبِبَرَكَتِهِمْ (جَلِيسُهُمْ) : أَيْ: مُجَالِسُهُمْ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِلَامِ الْجِنْسِ كَالنَّكِرَةِ، أَوْ حَالٌ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا اسْتِئْنَافًا لِبَيَانِ مَزِيدِ كَمَالِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ: لَا يُحْرَمُ مِنَ الثَّوَابِ بَلْ يَجِدُ مِنْ بَرَكَتِهِمْ نَصِيبًا. وَفِي هَذَا تَرْغِيبُ الْعِبَادِ فِي مُجَالَسَةِ الصُّلَحَاءِ لِيَنَالُوا نَصِيبًا مِنْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute