١٨٤٧ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ ، قَالَ: " خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
١٨٤٧ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ ") أَيْ: عَنِ السُّؤَالِ وَيَكْفِيهِ بِقَدْرِ الْحَالِ " جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ " أَيْ: أَثَرُهَا " فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ " أَيْ: جُرُوحٌ " أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ " بِضَمِّ أَوَائِلِهَا أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي: جَمْعُ خَمْشٍ وَخَدْشٍ وَكَدْحٍ، فَـ " أَوْ " هُنَا إِمَّا لِشَكِّ الرَّاوِي، إِذِ الْكُلُّ يُعْرِبُ عَنْ أَثَرِ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ مِنْ مُلَاقَاةِ الْجَسَدِ مَا يُقَشِّرُ أَوْ يَجْرَحُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا: آثَارٌ مُسْتَنْكَرَةٌ فِي وَجْهِهِ حَقِيقَةً، أَوْ أَمَارَاتٌ لِيُعْرَفَ وَيُشْتَهَرَ بِذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِتَقْسِيمِ مَنَازِلِ السَّائِلِ فَإِنَّهُ مُقِلٌّ أَوْ مُكْثِرٌ أَوْ مُفَرِّطٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَذَكَرَ الْأَقْسَامَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، وَالْخَمْشُ أَبْلَغُ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْخَدْشِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْكَدْحِ، إِذِ الْخَمْشُ فِي الْوَجْهِ، وَالْخَدْشُ فِي الْجِلْدِ، وَالْكَدْحُ فَوْقَ الْجِلْدِ، وَقِيلَ: الْخَدْشُ قَشْرُ الْجِلْدِ بِعُودٍ، وَالْخَمْشُ قَشْرُهُ بِالْأَظْفَارِ، وَالْكَدْحُ الْبَعْضُ، وَهِيَ فِي أَصْلِهَا مَصَادِرُ لَكِنَّهَا لَمَّا جُعِلَتْ أَسْمَاءً لِلْآثَارِ جُمِعَتْ (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟) أَيْ: كَمَا هُوَ أَوْ أَيُّ مِقْدَارٍ مِنَ الْمَالِ يُغْنِيهِ؟ (قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا) أَيْ: قِيمَةُ الْخَمْسِينَ مِنَ الذَّهَبِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَهُوَ غَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قَدْرَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ فِي أَغْلَبِهَا، فَهُوَ غَنِيٌّ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي سَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِكَسْبِ يَدٍ أَوْ تِجَارَةٍ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِمُ التِّجَارَةَ، وَكَانَ هَذَا الْقَدْرُ أَعْنِي: خَمْسِينَ دِرْهَمًا كَافِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ، قُدِّرَ بِهِ تَخْمِينًا، وَبِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ أَعْنِي: الْأُوقِيَّةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، فَلَا نَسْخَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقِيلَ: حَدِيثُ (مَا يُغْنِيهِ) مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْأُوقِيَّةِ، وَهُوَ بِحَدِيثِ خَمْسِينَ، وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ مُرْسَلًا: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَعِنْدَهُ عَدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ، فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا، وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي مَذْهَبِهِ مَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ مَلَكَ قُوتَ يَوْمِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالسُّؤَالِ، فَمَا نُسِبَ إِلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْأَنْسَبُ بِمَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ النَّسْخِ بِالْعَكْسِ بِأَنْ نُسِخَ الْأَكْثَرُ، فَالْأَكْثَرُ إِلَى أَنْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ تَدْرِيجِيًّا بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ كَمَا وَقَعَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ فَوَقَعَ التَّدْرِيجُ فِي الزِّيَادَاتِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكَمُ الْإِلَهِيَّاتُ عَلَى وَفْقِ الطِّبَاعِ وَالْمَأْلُوفَاتِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute