للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَتْ: نَاوِلُوا هَذَا الْمِسْكِينَ قُرْصاً، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ يَرْكَبُ فَرَساً، فَقَالَتْ: ادْعُوهُ إِلى الطَّعَامِ. فَقِيلَ لَهَا: لِمَاذَا تَعْطِينَ الْمِسْكِينَ قُرْصاً، وَتَدْعِينَ هَذَا الْغَنِيَّ إِلى الطَّعَام، فَأَجَابَتْ إِنَّ اللهَ تَعَالى أَنْزَلَ النَّاسَ مَنَازِلَ لا بُدَّ لَنَا أَنْ نُنْزِلَهُمْ تِلْكَ الْمَنَازِلَ، هَذَا الْمِسْكِينُ يَرْضَى بِقُرْصٍ، وَقِبيِحٌ بِنَا أَنْ نُعْطِي هَذَا الْغَنِيَّ - وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ - قُرْصاً. فَرَحِمَهَا اللهُ مَا أَحْسَنَ هَذَا مِنْ جَوَابِ رَدٍّ دَلَّ عَلَى الْحِكْمَةِ، وَحُسنِ الذُّوقِ، وَنَُبْلِ الْخُلُقِ، وَكَرَمِ الْمُعَامَلَةِ، وَالإِقْتِدَاءَ التَّامِ بِإِرْشَادَاتِ اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتاً مِنْ بُيُوتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ حَتَّى امْتَلأَ الْمَجْلِسُ، فَجَاءَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيُّ، فَلَمْ يَجِدْ مَكَاناً فَقَعَدَ عَلَى الْبَابِ فَلَفَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَهُ وَقَدَّمَهُ إِلَيْهِ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: «اجْلِسْ عَلَى هَذَا» . فَأَخَذَ جَرِيرٌ الرِّدَاءَ، وَوَضَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُه وَيَبْكِي، مُتَأَثِّراً مِنْ إِكْرَامِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، ثُمَّ لَفَّهُ وَرَدَّه إِلى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاكِراً مُقَدِّراً، وَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَجْلِسَ عَلَى ثَوْبِكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَكْرَمَكَ اللهُ يَا رَسُولَ اللهِ كَمَا أَكْرَمْتَنِي، فَنَظَر الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِيناً وَشِمَالاً ثُمَّ قَالَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوه» .

فَانْظُرْ إِلى هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ الْجَمِيلَةِ، تَجِدِ الْمَثَلَ الْكَاملَ فِي مُعَامَلَةِ الرَّسُولِ لَهُ، حَيْثُ رَاعَى شُعُورَ جَرِيرٍ وَأَكْرَمَهُ، وَكَيْفَ تَأَثَّرَ جَرِيرٌ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ الْكَرِيمَةِ النَّبِيلَةِ اللَّطِيفَةِ.

٦١- وَمِنْ مَحَاسِنِ الإِسْلاَمِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِلزَّوْجَاتِ عَلَى الأَزْوَاجِ حُقُوقاً مِثْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>