قال البيهقي رحمه الله: وقول الله عز وجل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ}[البقرة:٢٥٣] يدل على تفضيل بعضهم على بعض وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تفضلوا بين أنبياء الله» وقوله: «لا تخيروا بين أنبياء الله» إنما هو في محاولة أهل الكتاب على معنى الإزراء ببعضهم فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم والإقلال الواجب من حقوقهم أما إذا كانت المخايرة من مسلم يريد الوقوف على الأفضل منهم فليس هذا بنهي عنه والله أعلم.
وقوله:«لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى».
فإنما أراد والله أعلم من سواه من الناس دون نفسه أو ذهب في ذلك مذهب التواضع لربه والهضم لنفسه وكذلك في قوله:
حين قيل:«يا خير البرية» ذاك إبراهيم عليه السّلام.
وكان لا يحب المبالغة في الثناء عليه في وجهه تواضعا لربه عز وجل وكان يقول:«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا:
عبد الله ورسوله».
وقد تكلمنا على هذا في الجزء التاسع والثلاثين من كتاب دلائل النبوة بأكثر من هذا.
وأما اتخاذ الله إبراهيم خليلا فإنه إنما اتخذه خليلا على من كان في عصره من أعداء الله عز وجل لا على غيره من النبيين وهو أنه هداه إلى معرفته ووقفه لتوحيده حين كان الكفر طبق الأرض.
ولم يكن في الدنيا نسمة تعرف الله وتعّرف به غيره فاتخذه خليلا بأن جعله أهلا لهدايته أولا ثم بأن أمره ونهاه فظهرت منه الطاعة ثانيا ثم بأن ابتلاه فوجد منه الصبر ثالثا فكان يومئذ خليله وأهل الأرض كلهم أعداؤه لأنه كان المطيع والناس غيره عصاة وقد اتخذ محمد صلّى الله عليه وسلّم حبيبا بدلالة الكتاب وهو قوله عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}[آل عمران:٣١].
فإذا كان اتباعه يفيد للمتبع محبة الله عز وجل فالمتبع بها يكون أولى ودرجة المحبة فوق درجة الخلة. وقد تكلم أهل العلم في الفرق بين الحبيب