جَلْدَةً". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "يُجْلَدُ ثَمَانِينَ". وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: "يُجْلَدُ الْعَبْدُ فِي الْفِرْيَةِ أَرْبَعِينَ". وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ ذَكْوَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَة قَالَ: "أَدْرَكْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْخُلَفَاءِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَضْرِبُونَ الْمَمْلُوكَ فِي الْقَذْفِ إلَّا أَرْبَعِينَ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَالِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ. وَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ فِي عَبْدٍ قَذَفَ حُرًّا: "إنَّهُ يُجْلَدُ ثَمَانِينَ". وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ جَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَبْدًا فِي الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ". وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ لِأَجْلِ الرِّقِّ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] فَنَصَّ عَلَى حَدِّ الْأَمَةِ وَأَنَّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ بِمَنْزِلَتِهَا لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ فِي الْقَذْفِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَاذِفِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ: "لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ". وَقَالَ مَالِكٌ: "لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُجَامِعُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ، وَيُحَدُّ قَاذِفُ الصَّبِيَّةِ إذَا كَانَ مِثْلُهَا تُجَامَعُ وَإِنْ لَمْ تُحْصَنْ، وَيُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ".
وَقَالَ اللَّيْثُ "يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ لَا يَقَعُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زِنًا; لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ زِنًا; إذْ كَانَ الزِّنَا فِعْلًا مَذْمُومًا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِقَابَ وَهَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعِقَابَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، فَقَاذِفُهُمْ بِمَنْزِلَةِ قَاذِفِ الْمَجْنُونِ لِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ; وَلِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ شَيْنٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لَوْ وَقَعَ مِنْهُمْ، فَكَذَلِكَ لَا يَشِينُهُمْ قَذْفُ الْقَاذِفِ لَهُمْ بِذَلِكَ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْحَدِّ إلَى الْمَقْذُوفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكَالَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِيهِ؟ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الْمُطَالَبَةُ لِأَحَدٍ وَقْتَ الْقَذْفِ، فَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ; لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا وَجَبَ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَذْفِ لَا غَيْرَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِّ أَبِيهِ إذَا قُذِفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَدْ جَازَ أَنْ يُطَالِبَ عَنْ الْغَيْرِ بِحَدِّ الْقَذْفِ. قِيلَ لَهُ: إنَّمَا يُطَالِبُ عَنْ نَفْسِهِ لِمَا حَصَلَ بِهِ مِنْ الْقَدْحِ فِي نَسَبِهِ وَلَا يُطَالِبُ عَنْ الْأَبِ. وَأَيْضًا لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَاذِفَ الصَّبِيِّ لَا يُحَدُّ كَانَ كَذَلِكَ قَاذِفُ الصَّبِيَّةِ; لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ التَّكْلِيفِ وَلَا يَصِحُّ وُقُوعُ الزِّنَا مِنْهُمَا، فَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ: "إذَا قَذَفَهُمْ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: "إذَا قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute