للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ زَيْدِ الْخَيْرِ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالْأَنْصَارُ، وَقَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ قَالَ: "إنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ". رَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ الْعَطَاءَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ، وَمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ عَلَى وَجْهِهِ". وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَ هَوَازِنَ وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطَى رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنْ الْإِبِلِ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي لَأُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ أُصَانِعُهُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إلَى رِحَالِكُمْ؟ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَتَأَلَّفُ بِمَا يُعْطِي قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ لِئَلَّا يَرْجِعُوا كُفَّارًا. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إلَيَّ" وَرَوَى مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَائِمَ بِحُنَيْنٍ، وَقَسَمَ لِلْمُتَأَلَّفِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَفِي سَائِرِ الْعَرَبِ مَا قَسَمَ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ: "أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْت بِهَا أَقْوَامًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إلَى مَا قَسَمَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ! " فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَأَلَّفَهُمْ لِيُسْلِمُوا، وَفِي الْأَوَّلِ: "إنِّي لَأُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ"، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَتَأَلَّفُ بِذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارَ جَمِيعًا.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: "إنَّمَا كَانُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي حَالِ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَاسْتَغْنَى بِهِمْ عَنْ تَأَلُّفِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِتَرْكِهِمْ الْجِهَادَ، وَمَتَى اجْتَمَعُوا وَتَعَاضَدُوا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَأَلُّفِ غَيْرِهِمْ بِمَالٍ يُعْطَوْنَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ". وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ; رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: "جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إنَّ عِنْدَنَا أَرْضًا سَبِخَةً لَيْسَ فِيهَا كَلَأٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْطِينَاهَا فَأَقْطَعَهَا إيَّاهُمَا، وَكَتَبَ لَهُمَا عَلَيْهَا كِتَابًا وَأَشْهَدَ، وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ عُمَرُ، فَانْطَلَقَا إلَى عُمَرَ لِيَشْهَدَ لَهُمَا، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ مَا فِي الْكِتَابِ تَنَاوَلَهُ مِنْ أَيْدِيهِمَا ثُمَّ تَفَلَ فِيهِ فَمَحَاهُ فَتَذَمَّرَا، وَقَالَا مَقَالَةً سَيِّئَةً، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان

<<  <  ج: ص:  >  >>