للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصحة هذه الأسئلة والأجوبة، التي أرى أنها وضعت في أيام العباسيين، ويمكن بالطبع التوصل إلى تثبيت زمان وضعها، بالبحث عن أقدم مورد وردت إشارة فيه إليها، فحينئذ يمكن تعيين الزمان الذي وضعت فيه بوجه تقريبي.

وفي تفسير الغريب والمشكل من القرآن بالشعر، وقول علماء التفسير إن اللفظة من ألفاظ قبائل أخرى غير قرشية، وفي استفهام رجال قريش، وفي جملتهم رجال كانوا من أقرب الناس إلى الرسول، مثل "أبي بكر" و"عمر" عن ألفاظ وردت في القرآن لم يعرفوا معناها، مثل "أبّا"١، وفي رجوع "ابن عباس" إلى الأعراب، يسألهم عن ألفاظ وردت في القرآن أشكل عليه فهم معناها، وفي اعتماده في تفسيره للقرآن على الشعر، أقول في كل هذا وأمثاله دلالة واضحة على أن القرآن لم ينزل بلسان قريش، وإنما نزل بلسان العرب، ولو كان قد نزل بلغة قريش، كان استشهاد العلماء بالشعر وبلغات العرب في تفسير القرآن شيئًا عبثًا زائدًا، وكان عليهم تفسيره وتبيين معناه وتوضيحه بالاستشهاد بلغة قريش وحدها، لا بالشعر الجاهلي الذي هو شعر العرب، وبكلام العرب.

ولو رجعنا إلى كتب التفسير والسير، نجد أنها قد فسرت الغامض من ألفاظ القرآن بالشعر. فقد استعان قدماء المفسرين في تفسير لفظة "سجى" بالشعر، فأورد "الطبري" مثلًا بيتًا من شعر "أعشى بني ثعلبة" في تفسيرها معناها، هو قوله:

فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمّكم ... وبحرك ساج ما يوارى الدعامصا

وبقول أحد الرجاز:

يا حبذا القمراء والليل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج٢

واستعان "ابن هشام" ببيت شعر لأمية بن الصلت، في تفسيرها، وهو قوله:

إذ أتى موهنًا وقد نام صحبي ... وسجا الليل بالظلام البهيم٣


١ {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} سورة عبس، الآية٣١، الإتقان "٢/ ٤".
٢ تفسير الطبري "٣٠/ ١٤٥".
٣ سيرة "١/ ١٦١"، "حاشية على الروض".

<<  <  ج: ص:  >  >>