للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت الملكة ملكة ضارة في الأحوال الروحانية عظم تضرره بعد الموت، إذا ثبت هذا فنقول التكرير الكثير لما كان سببًا لحصول تلك الملكة الراسخة كان لكل واحد من الأعمال المتكررة أثر في حصول تلك الملكة الراسخة، وذلك الأثر وإن كان غير محسوس إلا أنه حاصل في الحقيقة، وإذا عرفت هذا ظهر أنه لا يحصل للإنسان لمحة ولا حركة ولا سكون إلا ويحصل منه في جوهر نفسه أثر من آثار السعادة أو آثار الشقاوة قل أو كثر، فهذا هو المراد من كتبة الأعمال عند هؤلاء. انتهى.

وغير خاف عليك أنه لا معنى حينئذ لنسبة الكتابة إلى الملائكة الكرام كما وردت به الأخبار الكثيرة، ومنها ما أخرجه ابن جرير عن كنانة العدوى قال: دخل عثمان رضى الله تعالى عنه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أخبرنى عن العبد كم معه من ملك؟ فقال: "ملك عن يمينك على حسناتك وهو أمير على الذى على الشمال إذا عملت حسنة كتبت عشرًا، فإذا عملت سيئة قال الذى على الشمال للذى على اليمين: أأكتب؟ قال: لا لعله يستغفر الله تعالى ويتوب، فإذا قال: ثلاثًا، قال: نعم اكتب أراحنا الله تعالى منه فبئس القرين ما أقل مراقبته لله سبحانه وأقل استحياءه منه تعالى يقول الله جَلَّ وَعَلَا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (١)، وملكان من بين يديك، وملكان من خلفك، يقول الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ … } (٢)، وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على اللّه قصمك، وملك قائم على فمك لا يدع أن يدخل الحية فيه، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك ينزلون على كل بنى آدم في النهار وينزل مثلهم في الليل".

فلو أن المراد من كتابة الأعمال على الإنسان تأثيرها في جوهر نفسه بواسطة

تكرارها حتى يحصل له الخلق الحسن أو السيئ لما ظهر نسبتها إلى الملائكة، فإن تأثير الأعمال في الملكات أمر عادى للأعمال بحسب ذاتها لا يتوقف على توسط الملائكة، فالحق أن تأويل الكتابة بما قال حكماء الإسلام غير صحيح، بل الكتابة حقيقة أخرى غير التأثير المذكور. والله أعلم.

(ومن معتقداتهم الخرافية) أن الأرض كانت على ماء والماء على صخرة


(١) [سورة ق: الآية ١٨].
(٢) [سورة الرعد: الآية ١١].

<<  <   >  >>