للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنَّ تميُّز «دار الإسلام» بحدودها الجغرافية، وكيانها السياسي، وخصائصها الدينية والاجتماعية؛ يمنح أبناءَها حقَّ الدفاع عن أرضهم وحقوقهم ضد أي اعتداء، كما يمنح شعورَهم الجمعيَّ رسوخًا وقوةً تُعينهم على الوحدة والتعاون والتناصر فيما يحقق لهم المصالح والمنافع، ويدفع عنهم المفاسد والأضرار.

وفي المقابل: فإنَّ نفيَ صفةِ الإسلام عن الدُّول التي لا تتصف بهذه الصفة هو تقرير للأساس الذي ينبني عليه الموقفُ الدينيُّ والسياسيُّ والأخلاقيُّ على المستوى الفرديِّ والجماعيِّ، فالمسلم الذي يقيم في دولة من تلك الدول ـ إقامةً مؤقَّتةً أو دائمةً ـ يقرُّ باختلاف الخصائص الدينية لتلك الدولة عن «دار الإسلام»؛ وبالتالي فإنه يتفهَّم منهج أهلها في نظامهم السياسيِّ وسلوكهم الأخلاقيِّ والاجتماعيِّ، ويتجنَّب عوامل الاصطدام معها، وإن كان يراهم مخالفين لعقيدته وأخلاقه. وهذا هو الطريق الأمثل للتعايش الناجح والمثمر مع المحافظة على التميُّز الدينيِّ.

ومن هنا يتبيَّن لنا أن تقسيم العالم إلى «دار الإسلام» و «دار الكفر»؛ ليس بمفهوم «صراع الحضارات» الذي يؤصِّل للعداء ويجرُّ إلى الحرب والمواجهة، بل ينطوي على أساس سليم للمحافظة على خصائص كلِّ طرفٍ، وعدم التدخُّل فيها، وتجنُّب جعلها سببًا للصراع، أو موضعًا للمنازعة والمغالبة. وهذا مقصِدٌ شريفٌ سبقت الشريعةُ الإسلاميةُ إليه القوانينَ الدوليةَ المعاصرةَ التي ضمنتْ للشعوب حقَّ التمتع بالحرية الدينية والمحافظة على خصائصها القوميَّة، ومنعتْ أيَّ تدخلٍ في الشؤون الداخلية للدول.

إن لهذا التصور الصحيح والفهم السليم لهذه المسألة أثرًا بالغًا على سلوك المسلم خارج حدود «دار الإسلام»؛ فإنه سيَعِي دائمًا ـ إضافة إلى ما تقدَّم ذكره ـ أنَّ حقوقَه وحرياتِه الدينيةَ والمدنيةَ لا بدَّ أن تتقيَّد بحدودٍ معقولةٍ لا تتجاوزُ حقوقَ وحرياتِ الجالياتِ أو الأقلياتِ، وأنها ستكون خاضعة دائمًا

<<  <   >  >>