الْجَنَابَةَ لَا تُوجِبُ نَجَاسَتَهُ، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ أَجْلِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَظْهَرَ التَّعَجُّبَ مِنْهُ، بِقَوْلِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، يَعْنِي كَيْفَ ذَهَبَ عَلَيْك هَذَا الِاعْتِبَارُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ الِاعْتِبَارِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهَا، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ فِي غَيْرِهَا، وَمَا أَنْكَرْتَ أَنْ يَكُونَ جَوَازُهُ مَقْصُورًا عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، إذْ يَمْتَنِعُ فِي حُجَّةِ الْعَقْلِ، أَنْ يُبِيحَ اللَّهُ تَعَالَى الِاجْتِهَادَ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْظُرَهُ فِيمَا عَدَا الْمَنْصُوصَ عَلَى مَوْضِعِهِ، فَيُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بَيْنَنَا مِنْ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ.
قِيلَ لَهُ: كَثِيرٌ مِنْ الْآيِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا قَدْ تَضَمَّنَ الْأَمْرَ بِالِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا، غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِحَالٍ وَلَا شَرْطٍ. مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، فَصَارَ لِلْجِنْسِ، وَمَا خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحْنُ مُخَاطَبُونَ بِهِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِشَيْءٍ دُونَنَا.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] وَقَدْ بَيَّنَّا (أَنَّ) الْمُرَادَ بِهِ الرَّدُّ إلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نَصًّا) وَدَلِيلًا، (وَذَلِكَ) مُطْلَقٌ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] وَهُوَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ مَا كَانَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] وَهُوَ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute