للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

استدلال آخر: قال بعض المجتهدين: يمكن أن يُستدلَّ لطهارة الشَّعْر بالدِّباغ بنَفْسِ الحديث؛ وهو قوله: (إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)؛ لأنَّ اسم الإهاب ينطَلِقُ على الجِلْد بشَعْرِه؛ فيُقال: هذا إِهابُ المَيتَةِ، ولا يلزم أن يُقال: هذا إِهابُها وَشَعْرُها. وإذا انْطَلَق الاسم عليه حصلت الطَّهارة.

قال: وممَّا يُؤيِّدُه حديث أبي الخير قال: (رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ [أَبِي] وَعْلَةَ فَرْواً، فَكَلَّمْتُهُ فيه، فَقَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: إِنَّا نَكُونُ بِأَرْضِ المَغْرِبِ وَمَعَنَا البَرْبَرُ وَالمُجُوسُ، نُؤْتَى بِالكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ، وَنَحْنُ لَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ، وَنُؤْتَى بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الوَدَكَ، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قَدْ سَأَلْنَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ فَقَال: دِبَاغُهُ طَهُورُهُ)، وحديث ثابتٍ البُنَانيِّ قال: كُنْتُ سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي المَسْجِدِ، فَأَتَى شَيْخٌ ذُو ضَفْرَتَيْنِ، فَقَالَ يَا أَبَا عِيسَى؛ حَدِّثْنِي حَدِيثَ أَبِيكَ فِي الفِرَاءِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: (كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله؛ أَنُصَلِّي فِي الفِرَاءِ؟ قَالَ: فَأَيْنَ الدَّبْغُ؟!) فَلَمَّا وَلَّى قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ.

قال هذا المجتهد المذكور: ويمكن أنْ يُستدلَّ بالحديث على عدم نجاسة الشُّعور أصلاً ورأساً بأن يُجعَل دليلاً على مُقدِّمةٍ في الدَّليل، وطَريقه أن يُقال: لو نَجُسَ الشَّعْر بالموت لكان طاهراً بعد الدِّباغ، لكن كان طاهراً قبل الدِّباغ فلا يَنْجُس بالموت.

بيان الملازَمَة: أنَّ الدِّباغَ إنَّما يُفيد الطَّهارة في ما له أَثَرٌ، ولا أَثَرَ للذَّبائح في الشَّعْر، فلا يُفيد الطَّهارة، وبيان أنَّه طاهرٌ بعد الدِّباغ: أنَّ اسم الإِهاب يُطلَقُ عليه بالشَّعْر المُتَّصِل به؛ فيُقال: هذا إِهابُ الشَّاة -مثلاً-، ولا يلزم أن يُقال: هذا إهابها وشَعْرها؛ فدَلَّ ذلك على إطلاق اسم الإهاب على الجِلْد

<<  <  ج: ص:  >  >>