ثُمَّ إنَّ التحريم عند مَن قال به متعلِّقٌ بالسَّمَك الصغار الذي يَحْوي في جوفه رجيعاً؛ لقولهم بنجاسة رجيعه، أمَّا إطلاقُ القول بتحريمه ولو أُخْرِجَ ما في جوفه، أو بتحريم السَّمَك الصغار مطلَقاً حتَّى ما لا رجيعَ فيه كالإِرْبِيَان ونحوه: فلا قائلَ به، وهو مخالفٌ لما تقرَّر عند الحنفيَّة من فروعٍ مبنيَّةٍ على حِلِّ السَّمَك الصغار؛ كجواز السَّلمِ فيه، بل هو مخالف للإجماع الذي نقله الحنفيَّة وغيرهم في حِلِّ جميع أنواع السَّمَك.
ولا يَرِدُ على ذلك أيضاً: ما ذُكِرَ مِن مشابهة الجَمْبَري للعَقْرب أو الدُّود، وهما من حيوانات البَرِّ المُحرَّمة؛ حيث نُقِل الاختلافُ بين الفقهاء في حكم ما كان من حيوان البحر على صورة غير المأكول من حيوان البر؛ وذلك لعدَّة أوجه:
أوَّلها: أنَّ هذا الخلاف مخصوص عند الحنفيَّة بالسَّمَك؛ فما كان من أنواع السَّمَك فهو عندهم حلال حتَّى لو شابه ما حَرُمَ مِن حيوانات البَرِّ؛ قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري ٩/ ٦١٩): «وإنَّما اختُلِفَ فيما كان على صورة حيوان البَرِّ؛ كالآدميِّ والكَلْب والخنزير والثُّعْبان؛ فعند الحنفيَّة، وهو قول الشافعيَّة: يَحْرُمُ ما عدا السَّمَك .. وعن الشافعيَّة الحِلُّ مطلقاً على الأصحِّ المنصوص، وهو مذهب المالكيَّة إلَّا الخنزير في رواية ... وعن الشافعيَّة ما يؤكل نظيره في البَرِّ حلال، وما لا فلا، واستثنوا على الأصحِّ ما يعيش في البحر والبَرِّ» اهـ.
ثانيها: أنَّه لا تشابه في الحقيقة بين الجَمْبَري والعَقْرَب أو الدُّود؛ فالجَمْبَري من طائفة القِشْريَّات، وهو معدود مِن طيِّبات السَّمَك عند العرب وغيرهم وفي أعراف الناس، وهو مفيد ونافع للطعام والصحَّة، ويُعَدُّ من أشهر المأكولات البحريَّة وأشهاها، وفيه