للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ودليل هذا القول: سبب نزول هذه الآية، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر، فبينما هم جلوس إذ ذكروا ما كان بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنزلت هذه الآية: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران:١٠١]. (١)

فدل سبب النزول على أن نزول الآية كان لأجل إلقاء العداوة بين الأوس والخزرج، ولو وقعت هذه العداوة لكانت معصية لله لا كفراً به.

- القول الثاني: أن المراد بـ (الكفر) في الآية هو: الكفر بالله جل وعلا وبكافة أركان الإيمان، وليس المعنى: أنه وقع منهم الكفر بالله جل وعلا، فجاءت الآية لبيان حالهم.

ولكن المعنى: استبعاد وقوع الكفر منهم مع هاتين الحالتين وهما:

أ- تلاوة كتاب الله عليهم، وهو الكتاب الظاهر الإعجاز في لفظه ومعناه.

ب- ووجود الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - فيهم، وهو الرسول الظاهر صدقه بما جاء به من الآيات الخارقة، والصفات العالية.

فهذا السؤال الوارد في الآية: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} [آل عمران:١٠١] هو سؤال إنكار وتوبيخ للمؤمنين على ما كان منهم من قبول للفتنة التي أثارها اليهود. (٢)

الترجيح: والقول الراجح هو أن المراد بـ (الكفر): الكفر الذي هو ضد الإيمان، وذلك للأمور التالية:

١ - أن الاستفهام في الآية إنكاري، بمعنى إنكار الوقوع في الكفر.

كما في قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ} [التوبة:٧].

لا بمعنى: إنكار الواقع.


(١) أخرجه الطبري في تفسيره سورة آل عمران الآية (١٠٢) (حـ ٧٥٣٣ - ٣/ ٣٧٥)
وابن أبي حاتم في تفسيره - سورة البقرة الآية (٢٣٦) (حـ ١٠٦٩ - ٢/ ٤٣٩).
(٢) انظر: تفسير أبي حيان (٣/ ٢٨١) والبلاغة فنونها وأفنانها (١/ ١٩٤).

<<  <   >  >>