للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)} [آل عمران:١٠١].

قال أبو جعفر الطحاوي:

عن عبد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" (١)

وكان قوله: "وقتاله كفر" ليس على الكفر بالله تعالى حتى يكون به مرتداً، ولكنه على تغطيته به إياه، واستهلاك به إياه، لأن الكفر هو التغطية للشيء التغطية التي تستهلكه، ومنه قول الله تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:٢٠]، ولا اختلاف بين أهل العلم بالتأويل أن الكفار الذين أريدوا هاهنا هم الزُّراع، لأنهم يغطون ما يزرعون في الأرض التغطية التي يستهلكونه به.

ومما يدل على أن ذلك الكفر المذكور في هذا الحديث لم يرد به الكفر بالله تعالى، بل قد وجدناه يقتل أخاه، فلا يكون بقتله إياه كافراً بالله، وإذا لم يكن بقتله إياه كافراً بالله، كان بقتاله إياه أحرى أن لا يكون به كافراً.

ومثل ذلك ما روي عن ابن عباس - في حديثه من كسوف الشمس - عن النبي عليه السلام قال: "ورأيت النار، فرأيت أكثر أهلها النساء"، قيل: لم يا رسول الله؟ قال: "بكفرهن"، قيل: أيكفرن بالله تعالى؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط". (٢)


(١) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب: الإيمان - باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر (حـ ٤٨ - ١/ ٢٧).
والبيهقي في سننه - كتاب: الشهادات - باب: ما ترد به شهادة أهل الأهواء (حـ ٤٢ - ١٠/ ٢٠٩).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب: الكسوف - باب: صلاة الكسوف جماعة (حـ ١٠٠٤ - ٢/ ٣٥٧).
وابن خزيمة في صحيحه - كتاب: الصلاة - باب: ذكر قدر القراءة من صلاة الكسوف (حـ ١٣٧٧ - ٢/ ٣١٢).

<<  <   >  >>