للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجواب: لا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الجماعَةُ الذينَ اتَّصلوا بِهِ انقطعَ تكليفُهُمْ، فقد يَكُونون مُلْزَمِينَ بما يَسْمَعُونه ويَعْلَمُونه مِنَ الشريعةِ، وإن كَانَ الرَّسولُ ما باشرهُ؛ لِأَنَّ قولَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: ١ - ٢]، يَقتضي أنَّهم يَهتدون بالقُرْآنِ كلِّه؛ لِأَنَّهُ قال: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}، وهم لم يَسْمَعُوا القُرْآنَ كلَّه؛ لِأَنَّ السورةَ مكِّيَّة، والقُرْآن ما نَزَلَ كله فِي مَكَّة.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الجنَّ مُخَاطَبُونَ بالتصديقِ فقطْ؟

نقول: لا، هَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، هم مخاطَبون بالفروعِ بلَا شَكٍّ.

لكِن هل يَلْزَم من هَذَا أن يَكُونوا مساوينَ لنا؟

بعضُ العُلَمَاءِ يَقُولُونَ: يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ النَّبيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بُعِثَ إِلَى الجنِّ والإنسِ، ولم نَعْلَمْ أنَّ تَشْرِيعًا خاصًّا بالجنِّ قد جُعل لهم، فما دَامُوا مُكَلَّفِينَ بالرِّسَالةِ فإنها تَلْزَمُهُمْ عُمُومًا.

وبعضُ العلماءِ يقولُ: مَن نظرَ إِلَى الحِكْمَةِ فِي التشريعِ قَالَ: إنَّ كلَّ قومٍ يُشْرَعُ لهم ما يُناسِبُهم، فإذا كَانَ الإنسُ يَختلِفَ بعضهم عن بعضٍ بنوعٍ مِنَ التكليفِ خُصَّ بِهِ، فما بالُكَ بالجنس الآخَرِ، وهذا أقربُ إِلَى الحِكْمَةِ فِي التشريعِ أنَّ لهم شرائعَ خاصَّةً بهم، أمَّا أُصُولُ الدينِ فلَا شَكَّ أَنَّهُمْ مِثْلُنا، يَعْنِي مثل الصلاة وأصل الزكاة وَمَا أَشْبَهَ ذلكَ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أفعالُ الصلاةِ والحجِّ بالنسبةِ للجنِّ هل تَختلِفُ عَنِ الإنسِ؟

الظاهر: أن هَذِهِ العبادات لا تَختلِفُ؛ لأَنَّهُمْ يُمْكِنُهم أنْ يُصَلُّوا، ويُمْكِنُهُم أنْ يَحُجُّوا، وهم مَخْلُوقُونَ من نارٍ، وأيضا هم لا يَرَوْنَ، وإلَّا فهم أجسامٌ، والعوامُّ يَقُولُونَ:

<<  <   >  >>