للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

رحمة" أي: إن فيضان الدمع أثر رحمة، وفي لفظ: "في قلوب من شاء من عباده" (١)، وقد صحّ أن الله تعالى خلق مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين، وجعل في عباده رحمة، فبها يتراحمون ويتعاطفون، وتحنّ الأم على ولدها، فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى التسعة والتسعين فأظل بها الخلق حتى أن إبليس رأس الكفر يطمع، لما يرى من رحمة الله، عز وجل (٢).

(فإِنَّمَا) وفي رواية: "وإنما"، بالواو (٣)، (يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) نصب على "إنما" في قوله: "فإنما" كافة، أو رفع على أنها موصولة أي: إن الذي يرحمهم الله من عباده الرحماء، ومن في قوله: "من عباده" بيانية، وهي حال من المفعول قدمت عليه؛ ليكون أوقع، وفي رواية شعبة في أواخر الطب "ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء" (٤)، وهو: جمع رحيم، من صيغ المبالغة ومقتضاه: إن رحمة الله تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة، وتحقق بها، بخلاف من فيها أدنى رحمة؛ لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، عند أبي داود وغيره: "الراحمون يرحمهم الرحمن" (٥) والراحمون، جمع راحم، فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة.

فإن قيل: ما الحكمة في إسناد فعل الرحمة في حديث الباب إلى الله وأسناده في حديث أبي داود إلى الرحمن؟

فالجواب: أنّ لفظ الجلالة دال على العظمة، وقد عرف بالاسقراء أنّه حيث ورد يكون الكلام مسوقًا للتعظيم، فلما ذكر هنا ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمته؛ ليكون الكلام جاريًا على


(١) صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب عيادة الصبيان (٧/ ١١٧)، (٥٦٥٥).
(٢) كما جاء في صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب الرجاء مع الخوف (٨/ ٩٩)، (٦٤٦٩).
(٣) إرشاد الساري (٢/ ٤٠٢).
(٤) صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب عيادة الصبيان (٧/ ١١٧)، (٥٦٥٥).
(٥) وسنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة (٤/ ٢٨٥)، (٤٩٤١) من طريق: سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمر. وسنن الترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين (٤/ ٣٢٣) (١٩٢٤) بهذا الإسناد وقال: هذا حديث حسن صحيح.