يسير في سَاقَة الجيش، أي من وراء الجيش، فيقوم للصَّلاة، ثمَّ يتبعهم، فَمَنْ سَقَطَ له شيء ردَّه إليه.
وكان صفوان - رضي الله عنه - قد تأخَّر حتَّى قرب الصُّبح، فركب بعيره لعلَّه يرى شيئاً، فَمَرَّ فرأى شخص إنسانٍ نائم، فَقَرُبَ فإذا هو بأمِّ المؤمنين - رضي الله عنها -، فعرفها لأنَّه كان يراها قبل نزولِ آيةِ الحجاب، فقال رافعاً صوته:"إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"، فأيقظها باسْتِرْجَاعِه، ولم يكلِّمها بكلمة البتَّة؛ صيانةً لها وإعظاماً وإجلالاً، وحسن أدب منه، وفطنة وورعاً.
فَسَتَرَتْ وَجْهَهَا عنه بجلبابها، فأناخ بعيرَه بغير كلام ولا سُؤَال، فركبتْه، ومشى قدَّامها حتَّى أدركا الجيش أوَّل الظهيرة.
وهنالك قَال في صفوان - رضي الله عنه - وعائشة - رضي الله عنها - أَهْلُ الإفك والكذب ما قالوا، فهلك مَنْ هلك في شَأْنِها - رضي الله عنها - بقول البُهتان، وعُصِمَ مَنْ عُصِمَ بالورع والتَّقوى.
وكان الَّذي تولَّى الإفك والكذب عبدَ الله بنَ أُبيٍّ ابن سَلُولَ (١)، رَئيس المنافقين؛ عداوةً للإسلام ونبيِّ الإسلام، فهو البادئ بهذه الفرية، وهو الَّذي اختلقها، وهو مَنْ أَشَاعَ في المدينة ما أَشَاعَ مِنَ الكذب.
وانتهى الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلى أبوي عائشة - رضي الله عنها -. وكانت عائشة - رضي الله عنها - حين قَدِمَت المدينة مَرِضَتْ شهراً، وهي لا تشعر بشيء، ولا يذكرون لها شيئاً، ولكن كان يريبها أنَّها لم تكن تجد منه - صلى الله عليه وسلم - الرِّفق الَّذي كانت تجده إذا اشتكت.
(١) أُبيّ أبوه، وسلول اسم أمّه، فنسب إلى أبويه كليهما، ووصف بهما.