للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: «إنه كان حريصا على قتل صاحبه» (١).

فإن قيل: كيف استجاز أن يريد أن يبوء صاحبه بالإثم، وإرادة المعصية معصية؟

قلنا: كأنه يقول: إذا كان ولابد من أن نقتتل حتى يقتل أحدنا الآخر، فأنا أختار أن أكون عند الله المقتول، ولا أكون عند الله القاتل. واعلم أن من طلب منك مالك، جاز لك أن تبيحه له ولا تقاتله، وجاز أن تقاتله، وإن قصد نفسك ففي جواز الاستسلام قولان للشافعي، وهذه الآية حجة الجواز. وكذلك فعل عثمان بن عفان حين تسوروا عليه الجدار ونزلوا ليقتلوه، كان عنده عبيد فقاموا دونه، فقال: من ألقى سلاحه، فهو حر (٢) والقائل الآخر يقول: لا يجوز إباحة الدماء (٣).

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ (٣١) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)}


(١) رواه البخاري في صحيحه رقم (٧٠٨٣، ٦٨٧٥، ٣١)، ومسلم رقم (٢٨٨٨) عن أبي بكرة. ورواه أحمد (٤٠٣، ٤/ ٤٠١)، والنسائي (١٢٥، ٧/ ١٢٤)، وابن ماجه رقم (٣٩٦٤) عن أبي موسى الأشعري.
(٢) قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (٤/ ٨٦): «حديث أن عثمان منع من عنده من الدفع يوم الدار وقال: من ألقى سلاحه فهو حر» لم أجده وفي ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن عامر سمعت عثمان يقول: «إن أعظمكم عندي حقا من كف سلاحه ويده».
وقال الصنعاني في سبل السلام (٤/ ٤٠): «وصح أن عثمان - رضي الله عنه - منع عبيده أن يدافعوا عنه وكانوا أربعمائة وقال: من ألقى سلاحه فهو حر».
(٣) ينظر: الأم للشافعي (٦/ ٤٦)، المبسوط للسرخسي (٧/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>