ومثلوا له: بأن يكون في السلعة عيب ويستره البائع، والمشتري لا يدري عنه، كالمُصرَّاة وهي: الناقة أو البقرة أو الشاة التي يُجمع لبنها في ضرعها أياماً، إذا رآها المشتري اعتقد أنها كثيرة اللبن، وإنما هو مجموع، فهذا تدليس، فالدابة مُدلسة، وكذلك الجارية عندما تُباع إذا كانت قد ابيض شعرها من الكبر فسوده ليوهم أنها شابة، وقد تكون شمطاء، وقد تكون عجوزاً، فيعتقد المشتري أنها شابة؛ لأن شعرها أسود فهذا تدليس.
تعريف التدليس:
والحاصل أن التدليس هو الإخفاء أي إخفاء العيب ونحوه، وهو غش في العين، فالتدليس في الإسناد هو إخفاء السقط، بأن يسقط في الإسناد رجلاً ويخفيه، بحيث إذا سمع أو قرأ المحدث هذا السند لم يتفطن للساقط، ويُعدُّ التدليس عيباً كبيراً في الراوي، لكن قد يُتسامح في بعضهم، يعني أن بعض الرواة قد يدلس، ولكن يُعتذر عنه أنه لا يدلس إلا عن ثقة، أو أنه يدلس لعذر عدم التذكر، يعني قد يكون نسي شيخه الذي حدث عنه، فحينئذ يحدث عن شيخه الذي فوقه، وعلى كل حال فالتدليس عيب، وقد ذمه كثير من العلماء، ومنهم شعبة بن الحجاج الذي يُقال له: أمير المؤمنين في الحديث فإنه روي عنه أنه قال: لأن أزني أحب إليَّ من أن أُدلِّس.
ومن المشتهرين بالتدليس ابن إسحاق صاحب السيرة، فكثيراً ما يسقط شيخه، ويروي عن شيخ شيخه بعن أو بأن، ومن المشهورين بالتدليس: الكلبي، وعطية العوفي، وهناك مدلسون ولكنهم ثقات، منهم أبو الزبير محمد بن مسلم بن تَدرُس، والأعمش سليمان بن مهران، وقتادة بن دعامة، ولكن في الغالب أنهم لا يدلسون إلا عن ثقات، فلا يحذفون من الإسناد إلا شخصاً موثوقاً ومجزوماً به؛ فلأجل ذلك تقبل رواياتهم عن أكابر مشايخهم وإن اشتهر عنهم التدليس.