ولأن انحراف الأفراد يؤدي إلى فساد المجتمع فقد عقب الرسول صلى الله عليه وسلم على الآية السابقة بقوله:"كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنَه على الحق أطر ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم"[٥٨] ، وفي هذا المعنى قول الله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[٥٩] ، ولأن المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر فإن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه الجماعة بالجسد لتضامنها في مسئولياتها وشبهها بالسفينة وبمسئولية الجماعة عنها بصفتهم الجماعية لا الفردية فقال:"مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا"[٦٠] .
وقد أخذت كل النظريات الحديثة في الأخلاق بما قرره الإسلام من أن حرية الأفراد ليست مطلقة بل مقيدة بقيود كما أخذ بها في (إعلان حقوق الإنسان) وعرفت الحرية فيها بأنها "القدرة على عمل كل شيء لا يضر بالغير"، وحقوق الغير في الإسلام تشمل حق الله أولا ثم المجتمع أفرادا وجماعات، وإزالة المنكر أمر جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من مسئوليات الأفراد في الجماعة وواجباتهم بالطرق المتاحة لهم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"[٦١] .