في الأنموذجين السابقين أوضحت الآيات قدرة الله وعظيم حكمته وواسع رحمته إذ جعل هذا الكون مهيئا لعباده سهلا لسيرهم فيه وتقلباتهم في أرجائه فالأرض ممهدة مفروشة مثبتة بالرواسي، قد فتح لهم فيها السبل وشق لهم فيها الأنهار والعيون وأجرى عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، فأنبت لهم في هذه الأرض كل الثمرات، وبين لهم في ذلك عموم قدرته المبدعة التي تغاير بين الأشياء الناتجة عن المصدر الواحد والطبيعة الواحدة، ودعاهم إلى النظر والتفكر في ذلك إذ أن تلك الآيات الغريبة العجيبة داعية لإعمال الفكر والعقل كما قال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فإنه لا يستفيد منها إلا من أعمل فكره وعقله.
وهذا النموذج من الآيات هو أيضا يقرر الحقيقة السابقة ولكن بأسلوب وطريقة أخرى، فإن القرآن الكريم وهو يدعو لإثبات قضية واحدة، هي قضية العقيدة التي استغرقت من القرآن أكثره، لم تأتي دعوته مكررة، وإنما قد غاير في التعبير والأسلوب، وكان ذلك من دلائل إعجازه.