للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقرأه آخرون من أهل المدينة والكوفة: (إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) .

فأما قارئ ذلك كذلك من أهل الكوفة، (١) فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك (٢) اعتبارا منه بقراءة ابن مسعود، وذكر أنه في قراءة ابن مسعود: (إلا أن تخافوا ألا يقيما حدود الله) . وقراءة ذلك كذلك، اعتبارا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه، خطأ وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه، فإنما أعمل الخوف في"أن" وحدها، وذلك غير مدفوعة صحته، كما قال الشاعر: (٣)

إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها (٤) ولا تدفنني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها (٥)

فأما قارئه:" إلا أن يخافا" بذلك المعنى، فقد أعمل في متروكة تسميته، (٦) وفي"أن"- فأعمله في ثلاثة أشياء: المتروك الذي هو اسم ما لم يسم فاعله، وفي"أن" التي تنوب عن شيئين، (٧) ولا تقول العرب في كلامها:" ظنا أن يقوما".

ولكن قراءة ذلك كذلك صحيحة، على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك، اعتبارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا، ولكن على أن يكون مرادا به إذا


(١) هو الإمام الكوفي الحبر حمزة بن حبيب الزياتأحد القراء السبعة.
(٢) الذي ذكر هذا هو الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٦ ولكن عبارة الفراء تدل على أنه ظن ذلك واستخرجه لا أن حمزة قرأها كذلك يقينا غير شك. ونص الفراء: "وأما ما قال فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة عبد الله فلم تصبه- والله أعلم". فإن يكن الطبري أخذه عن الفراء فهذا كلام الفراء وإن اخذه من غيره فهو ثقة فيما ينقل.
(٣) هو أبو محجن الثقفي.
(٤) ديوانه: ٢٣ ومعاني القرآن للفراء ١: ١٤٦ والخزانة ٣: ٥٥٠ وغيرها كثير وخبر أبي محجن في الخمر وحبها مشهور.
(٥) هذا البيت شاهد للنحاة على تخفيف"أن" لوقوعها بعد الخوف بمعنى العلم واليقين واسمها ضمير شأن محذوف، أو ضمير متكلم وجملة"لا أذوقها" في محل رفع، خبرها.
(٦) يعني أن الفعل قد عمل في نائب الفاعل وفي جملة"أن المخففة من"أن" كما سيظهر من بيان كلامه. وقد بين ذلك أيضًا الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٦- ١٤٧.
(٧) يعني بقوله: "أن التي تنوب عن شيئين" أنها في موضع المفعولين، تسد مسدهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>