للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقاتل: (معنى الآية: فإذا ذهب الخوف وجاء الأمن والغنيمة، سلقوكم بألسنة حداد؛ أي بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة، وسيقولون: أعطونا فلستم أحقّ بها منّا! فأمّا عند البأس والقتال فأجبن قوم وأخذلهم، وأمّا عند الغنيمة فأشحّ قوم) (١).

قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا} أي يظنّ المنافقون من جبنهم وخبثهم أنّ الأحزاب لم يذهبوا إلى مكّة وقد ذهبوا، {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ؛} في المرّة الثانية؛ أي يرجعون إلى القتال، {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ؛} داخلون في البادية مع الأعراب، {يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ؛} أي يتمنّون لو كانوا في بادية بالبعد منكم، يسألون عن أخباركم يقولون: ما فعل محمّد وأصحابه؟! فيعرفون حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة. والمعنى بسؤالهم: أنه إذا كان الظّفر لكم شاركوكم، وإن كان للمشركين شاركوهم، كلّ هذا من الخوف والجبن. قرأ يعقوب «(يسّاءلون)» بالتشديد والمدّ، بمعنى يتساءلون؛ أي يسأل بعضهم بعضا عن أخباركم، {وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً} (٢٠)؛لو كان هؤلاء المنافقون فيكم ما قاتلوا إلاّ رميا بالحجارة من غير احتساب.

قوله تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؛} أي لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنة في الصّبر على القتال والثّبات عليه واحتمال الشّدائد في ذات الله، {لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ؛} يرجو ثواب الله، {وَالْيَوْمَ الْآخِرَ،} وثواب الدنيا والآخرة، {وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (٢١)،وذلك: أنّ كل من ذاد أو ذكر الله في لسانه ازدادت رغبته في الاقتداء بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

ومعنى الآية: لقد كان لكم في رسول الله اقتداء لو اقتديتم به، والصبر معه في مواطن القتال كما فعل هو يوم أحد إذ كسرت رباعيّته وشجّ حاجبه وقتل عمّه، فواساكم مع ذلك بنفسه، فهلاّ فعلتم مثل ما فعل هو. وقوله تعالى: {(لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ)} يدلّ من قوله {(لَكُمْ)} وهو تخصيص بعد التعميم للمؤمنين.


(١) ينظر: تفسير مقاتل بن حيان: ج ٣ ص ٤١،بلفظ قريب من هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>