قوله تعالى: {وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ؛} قيل:
إنّهم بنو حارثة همّوا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلمّا نزل فيهم ما نزل، عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها. وقال قتادة: (هم قوم كانوا غابوا عن وقعة بدر، ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة، فقالوا: لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلنّ، فلمّا كان يوم الأحزاب لم يفوا بذلك العهد) (١).
ومعنى الآية: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل غزوة الخندق {(لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ)} أي لا ينهزمون ولا يولّون العدوّ ظهورهم. وقوله تعالى: {وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً} (١٥)؛أي مطالبا مسئولا عنه محاسبا عليه، يسألون عنه في الآخرة.
ثم أخبر الله أنّ الفرار لا يزيدهم في آجالهم؛ فقال:
{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ؛} أي من حضر أجله مات أو قتل، فكلاهما مكتوب عليكم. وقوله تعالى: {وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاّ قَلِيلاً} (١٦)؛أي إن فررتم من الموت أو القتل في هذه الوقعة لم يمتّعوا إلاّ قليلا حتى يلحقكم أحد الأمرين.
والمعنى: لا تمتّعون بعد الفرار في الدّنيا إلاّ مدّة أجلكم.
ثم أخبر الله تعالى أنّ ما قدّره عليهم وأراده بهم لا يدفع عنهم، قوله تعالى:
{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ؛} أي من الذي يجيركم ويمنعكم من الله، {إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً؛} أي هلاكا وهزيمة، {أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً؛} أي خيرا وهو النصر. وهذا كلّه أمر للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يخاطبهم بهذه الأشياء.
ثم أخبر الله أنه لا ينفعهم قريب ولا ناصر ينصرهم من الله، فقال تعالى:
{وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً} (١٧).
قوله تعالى: {*قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا؛} قال المفسّرون: هؤلاء قوم من المنافقين، كانوا يبطئون المجاهدين ويمنعونهم عن الجهاد. يقال: عاق يعوق؛ إذا منع، وعوّق إذا اعتاد المنع، وعوّقه إذا صرفه عن الوجه الذي يريده.
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢١٦٤٢).