فلما اعتذر هارون بهذا العذر أقبل موسى على السامريّ؛
{قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ}(٩٥)؛أي ما شأنك وما الذي دعاك إلى ما صنعت؟ وقيل:
معناه: ما هذا الخطب العظيم الذي دعاك إلى ما صنعت، والخطب هو الجليل من الأمر.
قال قتادة:(كان السّامريّ من عظماء بني إسرائيل، من قبيلة يقال لها سامرة، ولكنّه بعد ما قطع البحر مع بني إسرائيل مرّ بجماعة وهم يعكفون على أصنام لهم ومعه بنو إسرائيل، فقالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، فاغتنمها السّامريّ فاتّخذ العجل)،
{قالَ؛} السّامريّ مجيبا لموسى: {بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ؛} أي رأيت ما لم يروا، بصرت به، وعرفت ما لم يعرفوا وفطنت ما لم يفطنوا، قال له موسى: وما الذي بصرت به دون بني إسرائيل؟
قال:{فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ؛} من حافر فرس جبريل، وكان قد ألقي في نفسي أن أقبضها؛ وما ألقيه على شيء إلاّ صار له روح ولحم ودم، فحين رأيت قومك طلبوا منك أن تجعل لهم إلها حدّثتني نفسي بذلك، {فَنَبَذْتُها} أي فطرحتها في العجل، {وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}(٩٦)؛أي زيّنت لي نفسي من أخذ القبضة وإبقائها في صورة العجل. وقيل: معناه {(وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)} اي أطمعتني نفسي في أن العجل ينقلب حيوانا.
وقرأ الحسن: «(فقبصت قبصة)» (١) بالصاد فيهما، والفرق بينهما أن القبض بجميع الكفّ، والقبص بأطراف الأصابع.
قوله تعالى:{قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ؛} أي قال موسى: فاذهب من بيننا، فإن لك ما دمت حيّا أن تقول: {(لا مِساسَ)} أي لا أمسّ ولا أمسّ ولا أخالط، وأمر موسى أن لا يؤاكلوه ولا يخالطوه ولا يبايعوه، فحرّم عليهم مخالطة السامريّ زجرا لفعله، وكان هو يقيم في البريّة مع الوحوش والسّباع.