ثم أرسل الله رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد الذي جاء به الرسل من هذه الأمة، وما زال بحمد الله باقياً صافياً، وإن كان حوله فرق ضالة عنه، وعالم آخر من البشرية لم يسمعه، وهذا الدين للبشرية كافة كما قال سبحانه لرسوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)} [الأعراف: ١٥٨].
إن الله تبارك وتعالى ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - نقل النبوة والرسالة من ذرية إسحاق إلى ذرية إسماعيل، ممثلة في الرسالة الأخيرة ورسولها، والأمة المسلمة التي تتبع منهجه، والرسالة الأخيرة التي أرسل الله بها محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية كافة هي امتداد لأمر مقرر مطرد من قديم كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)} [الشورى: ٣].
فمصدر الوحي واحد، فالموحي لجميع الأنبياء هو الله العزيز الحكيم، والموحى إليهم هم الرسل على مدار الزمان صلوات الله وسلامه عليهم.
وهذه الحقيقة حين تستقر في قلوب المؤمنين تشعرهم بأصالة ما هم عليه من الدين، ووحدة مصدره، وتشدهم إلى مصدر هذا الوحي وهو العلي العزيز الحكيم.
كما تشعرهم بالقرابة بينهم وبين المؤمنين، أتباع الوحي في كل زمان ومكان، فهذه أسرتهم تمتد جذورها في شعاب الزمن.
وهذا الإله الذي يوحي وحده إلى الرسل جميعاً: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)} [الشورى: ٤].
فكل ما في السموات وما في الأرض من شيء فهو لله، لا يشاركه فيه أحد سواه، وهو العلي العظيم، فليس هو الملك فحسب، ولكنه ملك العلو والعظمة على وجه التفرد كذلك.
وإذا استقر هذا في القلوب عرف الناس إلى أين يتجهون فيما يطلبون لأنفسهم