أزيَد بنَ مَصْبوحٍ فلو غيركم صبا ... غَفَرنا وكانت من سجيتنا الغُفُر
فأنث الغفر لأنه بمعنى المغفرة.
وزعم الكوفيون أن اسم (كان) إذا كان مصدراً مذكراً والخبر مؤنثاً مقدماً عليه، جاز في سعة الكلام لتذكير والتأنيث. فأجازوا أن يقال: كان رحمة المطر الذي أصابنا البارحة، وكانت رحمة. قالوا: فمن ذكر فلأن المطر مذكر والنية به التقديم، فكما يقال: كان المطر الذي أصابنا رحمة، فكذلك تفعل إذا قدم الخبر. ومن أنث فلأن الخبر قد ولى (كان) وهو مؤنث، والأخبار سبيلها أن تكون موافقة للأسماء لأنها هي في المعنى، وأيضاً فإن الاسم مصدر وتذكير المصدر وتأنيثه
بمعنى واحد، ولذلك لم يجز التأنيث إذا كان الاسم غير مصدر نحو قولك:(كان شمساً وجهك)، ولا يجيزون أن يقال:(كانت شمساً وجهك). فعلى هذا قول لبيد (وكانت عادة منه إذا هي عردت أقدامها)، هو عندهم من قبيل ما يجوز في الكلام والشعر، وكذلك قول الآخر: وكانت من سجيتنا الغفر، لأنه يريد: سجية من سجايانا الغفر.
والصحيح عندي ما ذهب إليه أهل البصرة، لأنه لا يحفظ في سعة الكلام مثل: كانت رحمة المطر الذي أصابنا. واحتجاجهم على جواز ذلك بقراءة أهل المدينة وعاصم وأبي عمرو:(ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) بتأنيث (تكن) لأن (أن) مذكرة وخبر لكن قد تقدم على اسمها وهو مؤنث، لا حجة لهم فيه، لأن (أن) مع صلتها إنما هي على حسب ما هي