للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال في يوم الجلسان، وقد نثر عليهم الورد وهم قيام بين يديه حتى غرقوا فيه.

قَدْ صَدَقَ الوَردُ في الَّذي زَعَمَا ... أَنَّكَ صَيَّرْتَ نَثْرَهُ دِيَمَا

كَأنَّما مائِجُ الهَوَاءِ بِهِ ... بَحْرٌ حَوَى مِثلَ مائِهِ عَنَمَا

الديم: السحاب الدائمة المطر، واحدتها ديمة، والمائج: الذي يدخل بعضه في بعض، والعنم: شجر من شجر السواك، لين الأغصان لا يعظم، وله زهر أحمر يشبه به وبأغصانه بنان النساء إذا اختضبن، وكنى به عن الورد على المماثلة.

فيقول مخبرا عنه، ومخاطبا لعضد الدولة: قد صدق الورد فيما زعمه من أمره، وأخبر به عن نفسه، أنك صيرت ما نثرت منه ديما واكفة، وأمطرت به سحائب مترادفة.

ثم قال مشيرا إلى الورد: فكأن الهواء من كثرته، وما اشتمل عليه من وفود جملته، بحر يحوي مثل مائه من العنم، وينسكب على مستمطره بالزهر المنسجم.

نَاثِرُهُ النَّاثِرُ السُّيُوفَ دَمَاً ... وَكُلَّ قَولٍ يَقُولُهُ حِكَمَا

والخَيْلَ قَدْ فَصَّلَ الضِّيَاعَ بِهَا ... والنِّعَمَ السَّابِغَاتِ والنِّقَمَا

فَليُرِنا الوَردُ إنْ شَكَا يَدَهُ ... أَحسَنَ مِنهُ مِنْ جُودِهَا سَلِمَا

يقول مخبرا عن الورد، ومشيرا إلى عضد الدولة: ناثره في مجالسه إكراما للأولياء، ناثر السيوف وقد تغشت بالدم في وقائعه، انتقاما من الأعداء، ومرسل القول حكما بالغة، ونوادر على وجه الدهر سائرة.

ثم قال، وهو الذي ينثر الخيل والضياع بها مفصلة، ومننه فيها على مؤمليه متبينة، ويشفع النعم على من والاه، كما يعتمد بالنقم من خالفه وناوأه.

ثم قال مشيرا إلى عضد الدولة: فليرنا الورد أن أنكر فعله، وشكا منه كرما وبذله، أحسن منه هيئة ومنظرا، وأكرم محتدا وعنصرا، قد سلم من جوده لضنانته به، ولم ينفد في مواهبه لإيثاره له.

فَقُلْ لَهُ لَسْتَ خَيْرَ ما نَثَرَتْ ... وَإنَّمَا عَوَّذَتْ بِكَ الكَرَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>