للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما سيأتي في حكاية هذا عن غيرهم.

والعبادة وإن كانت لغة: أقصى غاية الذل والخضوع مطلقا، كما في قوله:

تباري عتاقا ناجيات وأتبعت ... وظيفا وظيفا فوق مور معبد ١

فهي في الشرع أخص من ذلك، لأنها اسم للطاعة والانقياد للأوامر الشرعية الدينية التي دعت إليها الرسل، ودلت عليها الكتب السماوية، كما فسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [سورة البقرة آية: ٢١] بتوحيده، وإخلاص العبادة له، نظرا منه إلى الحقيقة الشرعية، لا إلى أصل الأوضاع اللغوية؛ وقد اعترضه ابن جرير هنا، بأصل الوضع واللغة.

والحق ما قاله ابن عباس، خلافا لابن جرير، بدليل قوله تعالى: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [سورة الكافرون آية: ٣] وتعليلهم ما قالوه: بأن العبد لا يخرج عن فعل المولى، إلا إذا كان المولى مغلوبا، والله تعالى هو الغالب وحده، أو نحو هذا التعليل. فهذا قد احتجوا به على القدرية النفاة، وهو احتجاج صحيح على من نفى القدر، وزعم أن العبد يخلق أفعال نفسه، لأن الله تعالى لا يعصى عنوة، بل علمه وقدرته وعزته، وحكمته وربوبيته العامة، وكلماته التامة، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، مانعة ومبطلة لقول القدرية النفاة.


١ وتقدم ذكر قائله ومقصوده، في صفحة ٣٧٨/ج/١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>